يُسَاوَى بِالدَّيْنِ كَانَ بَيْعُهُ جَائِزًا لِتَعْجِيلِ الثَّمَنِ مَعَ حُصُولِ مَا يُقْصَدُ مِنَ التَّوْفِيرِ لِلْأَجَلِ، وَإِنْ بَاعَهُ بِالنَّقْدِ بِدُونِ مَا يُسَاوَى بِالدَّيْنِ كَانَ بَيْعُهُ بَاطِلًا وَكَانَ لِقِيمَتِهِ بِالتَّسْلِيمِ ضَامِنًا.
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ يَأْذَنَا لَهُ فِي بَيْعِهِ مُطْلَقًا، فَإِطْلَاقُ الْإِذْنِ يَقْتَضِي بَيْعَ النَّقْدِ كَمَا لَوْ صَرَّحَا بِهِ فَإِنْ بَاعَهُ بِالدَّيْنِ كَانَ بَيْعُهُ بَاطِلًا.
وَقَالَ أبو حنيفة: إِطْلَاقُ الْإِذْنِ يَقْتَضِي جَوَازَ الْبَيْعِ بِالنَّقْدِ وَالدَّيْنِ فَبِأَيِّهِمَا بَاعَ جاز، وكذلك الوكيل مع الإطلاق لِأَنَّ اسْمَ الْبَيْعِ يَتَنَاوَلُهُ.
وَدَلِيلُنَا: هُوَ أَنَّ إِطْلَاقَ الْإِذْنِ كَإِطْلَاقِ الْعَقْدِ، فَلَمَّا كَانَ إِطْلَاقُ الْعَقْدِ يَقْتَضِي تَعْجِيلَ الثَّمَنِ، وَجَبَ أَنْ يَكُونَ إِطْلَاقُ الْإِذْنِ يَقْتَضِي تَعْجِيلَ الثَّمَنِ وَالْكَلَامُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ يُسْتَوْفَى فِي كِتَابِ الْوِكَالَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.
وَالْقِسْمُ الرَّابِعُ: أَنْ يَأْذَنَ الرَّاهِنُ فِي بَيْعِهِ بِالدَّيْنِ وَيَأْذَنَ الْمُرْتَهِنُ فِي بَيْعِهِ بِالنَّقْدِ فَلَيْسَ لِلْعَدْلِ بَيْعُهُ بِالدَّيْنِ، لِأَنَّ الْمُرْتَهِنَ لَمْ يَأْذَنْ بِهِ مَعَ اسْتِحْقَاقِ تَعْجِيلِهِ، فَأَمَّا بِالنَّقْدِ فَإِنْ بَاعَهُ بِمِثْلِ مَا يُسَاوَى بِالدَّيْنِ جَازَ وَإِنْ بَاعَهُ بِمِثْلِ مَا يُسَاوَى بِالنَّقْدِ دُونَ مَا يُسَاوَى بِالدَّيْنِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الرَّاهِنَ الْمَالِكَ لَمْ يَأْذَنْ بِهِ. فَيَجْرِي عَلَى هَذَا الْإِذْنِ حُكْمُ النَّقْدِ فِي التَّعْجِيلِ وَحُكْمُ الدَّيْنِ فِي التَّوْفِيرِ.
وَالْقِسْمُ الْخَامِسُ: أَنْ يَأْذَنَ لَهُ الرَّاهِنُ فِي بَيْعِهِ بِالنَّقْدِ وَيَأْذَنُ لَهُ الْمُرْتَهِنُ فِي بَيْعِهِ بِالدَّيْنِ فَلِلْعَدْلِ أَنْ يَبِيعَهُ بِالنَّقْدِ الَّذِي أَذِنَ فِيهِ الرَّاهِنُ وَلَا يَبِيعَهُ بِالدَّيْنِ الَّذِي أَذِنَ فِيهِ الْمُرْتَهِنُ، لِأَنَّ حَقَّ الْمُرْتَهِنِ فِي الْبَيْعِ وَالتَّعْجِيلِ وَلَيْسَ لَهُ حَقٌّ فِي التَّأْخِيرِ فَقُبِلَ إِذْنُهُ فِي الْبَيْعِ، لِأَنَّهُ حَقٌّ لَهُ وَلَمْ يُقْبَلْ إِذْنُهُ فِي التَّأْخِيرِ لِأَنَّهُ حَقٌّ عَلَيْهِ وَفَارَقَ إِذْنَ الرَّاهِنِ بِالتَّأْخِيرِ لِأَنَّهُ مِلْكُهُ.
(فَصْلٌ)
وَإِذَا أَذِنَا لِلْعَدْلِ فِي بَيْعِ الرَّهْنِ بَعْدَ شَهْرٍ فَبَاعَهُ قَبْلَ مُضِيِّ الشَّهْرِ كَانَ بَيْعُهُ بَاطِلًا وَكَانَ لِقِيمَتِهِ بِالتَّسْلِيمِ ضَامِنًا وَلَوْ أَذِنَا فِي بَيْعِهِ بِالْكُوفَةِ فَبَاعَهُ بِالْبَصْرَةِ كَانَ بَيْعُهُ جَائِزًا إِذَا كَانَ الثَّمَنَانِ وَاحِدًا وَكَانَ لِثَمَنِهِ ضَامِنًا.
وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ قَبْلَ الشَّهْرِ غَيْرَ مَأْذُونٍ لَهُ فِي بَيْعِهِ فَبَطَلَ بَيْعُهُ، وَإِذَا نَقَلَهُ مِنْ بَلَدٍ إِلَى بَلَدٍ كَانَ مَأْذُونًا فِي بَيْعِهِ فَجَازَ بَيْعُهُ وضمن ثمنه.
[(مسألة)]
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَوْ قَالَ لَهُ أَحَدُهُمَا بِعْ بِدَنَانِيرَ وَالْآخَرُ بِعْ بِدَرَاهِمَ لَمْ يَبِعْ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا لَحِقِّ الْمُرْتَهِنِ فِي ثَمَنِ الرَهْنِ وَحَقِّ الرَّاهِنِ فِي رَقَبَتِهِ وَثَمَنِهِ وَجَاءَ الْحَاكِمُ حَتَّى يَأْمُرَهُ بِالْبَيْعِ بِنَقْدِ الْبَلَدِ ثُمَّ يَصْرِفُهُ فِيمَا الرَّهْنُ فِيهِ ".