(فَصْلٌ)
وَإِذَا سَرَقَ مَا يُتَّخَذُ لِلْمَعَاصِي كَصَلِيبٍ أو صنم، أو طنبور، أَوْ مِزْمَارٍ فَإِنْ كَانَ لَوْ فُصِلَ مَا صلح لِغَيْرِ مَا اتُّخِذَ لَهُ مِنَ الْمَعْصِيَةِ فَلَا قَطْعَ فِيهِ، لِأَنَّهُ لَا يُقَرُّ عَلَى مَالِكِهِ، وَلَا يَقُومُ عَلَى مُتْلِفِهِ كَالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ، وَإِنْ كان لو فصل صلح لغير الْمَعْصِيَةِ أَوْ كَانَ مِنْ فِضَّةٍ أَوْ ذَهَبٍ فَفِي قَطْعِ سَارِقِهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ حَكَاهَا ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ:
أَحَدُهَا: وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ أَنَّهُ يُقْطَعُ، سَوَاءٌ أَخْرَجَهُ مِنْ حِرْزٍ مُفَصَّلًا أَوْ غَيْرَ مُفَصَّلٍ؛ لِأَنَّهُ مَالٌ يُقِرُّ عَلَى مَالِكِهِ وَيَقُومُ عَلَى مُتْلِفِهِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ: أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ فيه، سواء أخرج مُفَصَّلًا أَوْ غَيْرَ مُفَصَّلٍ؛ لِأَنَّ لَهُ شُبْهَةً في هتك حرز لإزالة معصيته لِنَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عن الملاهي، وروي عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: " تُمْسَخُ أُمَّةٌ مِنْ أُمَّتِي) قِيلَ لَهُ: وَلِمَ ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فقال: " لشربهم الخمر وَضَرْبِهِمْ بِالْكُوبَةِ وَالْمَعَازِفِ) وَتَأَوَّلَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَمُجَاهِدٌ قَوْله تَعَالَى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} [لقمان: ٦] أَنَّهَا الْمَلَاهِي.
وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: وَهُوَ اخْتِيَارُ ابن أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ إِنْ أَخْرَجَهُ مُفَصَّلًا قُطِعَ، وَإِنْ أَخْرَجَهُ غَيْرَ مُفَصَّلٍ لَمْ يُقْطَعْ لِزَوَالِ الْمَعْصِيَةِ عَمَّا فُصِلَ وَبَقَائِهَا فِيمَا لَمْ يُفْصَلْ.
فَأَمَّا أَوَانِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ فَفِيهَا الْقَطْعُ وَجْهًا وَاحِدًا وَإِنْ كَانَتْ مُحَرَّمَةَ الِاسْتِعْمَالِ، وَسَوَاءٌ كَانَ فِيهَا صُوَرُ ذَوَاتِ الْأَرْوَاحِ أَوْ لَمْ يَكُنْ؛ لِأَنَّهَا تُتَّخَذُ لِلزِّينَةِ لَا لِلْمَعْصِيَةِ، وَإِنْ كَانَ اسْتِعْمَالُهَا مَعْصِيَةً.
(فَصْلٌ)
وَإِذَا سَرَقَ وَقْفًا مُسْبَلًا مِنْ حِرْزٍ لَمْ يَخْلُ حَالُهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ عَامًّا أَوْ خَاصًّا، فَإِنْ كَانَ عَامًّا في وجوه الخيرات وعموم الْمَصَالِحِ فَلَا قَطْعَ عَلَى سَارِقِهِ؛ لِأَنَّهُ فِي حُكْمِ مَالِ بَيْتِ الْمَالِ، الَّذِي يَعُمُّ مَصَالِحَ الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ أَحَدُهُمْ، وَلَوْ كَانَ السَّارِقُ ذِمِّيًّا لم يقطع، لأنه تبع للمسلمين، فإن كَانَ خَاصًّا عَلَى قَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ فَإِنْ كَانَ السَّارِقُ وَاحِدًا مِنْ أَهْلِهِ لَمْ يُقْطَعْ، لِأَنَّ لَهُ فِيهِ شِرْكًا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَهْلِهِ فَفِي قَطْعِهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ: أَنَّهُ يُقْطَعُ، سَوَاءٌ قِيلَ إِنَّ رَقَبَةَ الْوَقْفِ مَمْلُوكَةٌ أَوْ غَيْرُ مَمْلُوكَةٍ كَمَا يُقْطَعُ فِي أَسْتَارِ الْكَعْبَةِ وَآلَةِ الْمَسَاجِدِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يُقْطَعُ، سَوَاءً قِيلَ إِنَّ رَقَبَةَ الْوَقْفِ مَمْلُوكَةٌ أَوْ غَيْرُ مَمْلُوكَةٍ؛ لِأَنَّ تَحْرِيمَ بَيْعِهِ قُوَّةٌ لِمِلْكِهِ، وَخَالَفَ آلَةَ الْمَسْجِدِ وَأَسْتَارَ الْكَعْبَةِ الَّتِي هِيَ مِنْ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى الْمُغَلَّظَةِ وَالْوَقْفُ مِنْ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ المحرمة فلهذا الفرق ما افْتَرَقَا، وَإِنْ كَانَ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ مُسَوِّيًا بينهما.
والوجه الثالث: أن يُقْطَعَ فِيهِ إِنْ قِيلَ: إِنَّهُ مَمْلُوكُ الرَّقَبَةِ وَلَا يُقْطَعُ إِنْ قِيلَ إِنَّهَا لَا تُمْلَكُ؛ لِأَنَّهُ مَا لَا يُمْلَكُ فِي حُكْمِ الْمُبَاحِ، وَإِنْ لَمْ يُسْتَبَحْ، فَأَمَّا نَمَاءُ الْوَقْفِ كَالثِّمَارِ