عَلَى غني فَلَمْ يُؤَدِّهَا حَتَّى افْتَقَرَ كَانَتْ دَيْنًا عَلَيْهِ، وَلَمْ تَسْقُطْ عَنْهُ بِفَقْرِهِ، لِأَنَّهَا تَعَيَّنَتْ عَلَيْهِ وَقْتَ غِنَاهُ، وَيُنْظَرُ بِهَا إِلَى مَيْسَرَتِهِ، وَلَوْ حَالَ الْحَوْلُ عَلَى فَقِيرٍ فَلَمْ يَسْتَوْفِ حَتَّى اسْتَغْنَى لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ بِغِنَاهُ، لِأَنَّهُ تَعَيَّنَ سُقُوطُهَا عَنْهُ وَقْتَ فَقْرِهِ.
(مَسْأَلَةٌ)
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَمَنَ غَرِمَ فِي نَجْمٍ ثُمَّ أَعْسَرَ فِي النَّجْمِ الْآخَرِ تُرِكَ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ، لِأَنَّ الْغِنَى وَالْفَقْرَ مُعْتَبَرٌ فِي كُلِّ حَوْلٍ فَلَمْ يَتَعَيَّنْ فِي الْحَوْلِ إِلَّا النَّجْمُ الَّذِي يُسْتَحَقُّ فِيهِ، فَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فِي الْأَحْوَالِ الثَّلَاثَةِ تَحَمَّلَ الْعَقْلَ فِي جَمِيعِهَا، وَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ فَقِيرًا فِي الْأَحْوَالِ الثَّلَاثِ سَقَطَ عَنْهُ الْعَقْلُ فِي جَمِيعِهَا، وَمَنْ كَانَ غَنِيًّا فِي بعضها ومفتقراً في بضعها وَجَبَ عَلَيْهِ الْعَقْلُ فِي حَوْلِ غِنَاهُ وَسَقَطَ عَنْهُ فِي حَوْلِ فَقْرِهِ، فَلَوِ ادَّعَى فَقْرًا بَعْدَ الْغِنَى أُحْلِفَ وَلَمْ يُكَلَّفِ الْبَيِّنَةَ عَلَى فَقْرِهِ، لِأَنَّهَا لَا تَجِبُ عَلَيْهِ إِلَّا مَعَ العلم بغناه.
[(مسألة)]
قال الشافعي رضي الله عنه: " فَإِنْ مَاتَ بَعْدَ حُلُولِ النَّجْمِ مُوسِرًا أُخِذَ مِنْ مَالِهِ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ، إِذَا مَاتَ مِنَ الْعَاقِلَةِ مُوسِرٌ بَعْدَ الْحُلُولِ وَقَبْلَ الْأَدَاءِ لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ الْعَقْلُ بِمَوْتِهِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَسْقُطُ عَنْهُ بِالْمَوْتِ اسْتِدْلَالًا بِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا مُوَاسَاةٌ فَأَشْبَهَتْ نَفَقَاتِ الْأَقَارِبِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهَا صِلَةٌ وَإِرْفَاقٌ فَأَشْبَهَتِ الْهِبَاتِ قَبْلَ الْقَبْضِ، وَهَذَا خَطَأٌ: لِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ حُقُوقَ الْأَمْوَالِ إِذَا اسْتَقَرَّ اسْتِحْقَاقُهَا فِي الْحَيَاةِ لَمْ يَسْقُطْ بِالْوَفَاةِ كَالدُّيُونِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ لِلْوَرَثَةِ أَنْ يُمْنَعُوا مِنَ الْوَصَايَا وَهِيَ تَطَوُّعٌ، كَانَ أَوْلَى أَنْ لَا يُمْنَعُوا مِنَ الْعَقْلِ وَهُوَ وَاجِبٌ.
وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ لَمَّا لَمْ تَسْقُطْ بِالْمَوْتِ دِيَةُ الْعَمْدِ لَمْ تَسْقُطْ بِهِ دِيَةُ الْخَطَأِ.
فَأَمَّا نَفَقَاتُ الْأَقَارِبِ فَإِنَّمَا وَجَبَتْ لِحِفْظِ النَّفْسِ، وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ فِيمَا مَضَى فَسَقَطَ مَعْنَى الْوُجُوبِ، وَدِيَةُ الْقَتْلِ وَجَبَتْ لِإِتْلَافِ النَّفْسِ وَقَدِ اسْتَقَرَّ وُجُوبُهُ فَلَمْ تَسْقُطْ بِمُضِيِّ زَمَانِهِ، وَأَمَّا الْهِبَةُ فَلَيْسَ كَتَحَمُّلِ الْعَقْلِ عَنْهُ، لِأَنَّهَا تُؤْخَذُ جَبْرًا وَالْهِبَةُ تُبْذَلُ تَطَوُّعًا فَافْتَرَقَا.