بَابُ مَنْ حَلَفَ بِطَلَاقِ امْرَأَتِهِ أَنْ يَتَزَوَّجَ عليها
[(مسألة:)]
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: " وَمَنْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ أَنْتِ طالقٌ إِنْ تَزَوَّجْتُ عَلَيْكِ فَطَلَّقْهَا وَاحِدَةً تَمْلِكُ الرَّجْعَةَ ثُمَّ تَزَوَّجَ عَلَيْهَا فِي الْعِدَّةِ طُلِّقَتْ بِالْحِنْثِ وَإِنْ كَانَتْ بَائِنًا لَمْ يَحْنَثْ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ، إِذَا قَالَ: إِنْ تَزَوَّجَتْ عَلَيْكِ فَأَنْتِ طَالِقٌ ثُمَّ تَزَوَّجَ عَلَيْهَا لَمْ يَخْلُ تَزْوِيجُهُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا وَهِيَ بَاقِيَةٌ عَلَى نِكَاحِهِ، فَقَدْ طُلِّقَتْ سَوَاءٌ قَرُبَ زَمَانُ تَزْوِيجِهِ أَوْ بَعُدَ؟ لِأَنَّهُ قَدْ جَعَلَهُ شَرْطًا فِي وُقُوعِ الْحِنْثِ فَاسْتَوَى حُكْمُهُ فِي الْقُرْبِ وَالْبُعْدِ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا مَنْ يُكَافِئُهَا فِي نَسَبِهَا وَجِمَالِهَا، أَوْ تَقَدَّمَ عَنْهَا فِي النَّسَبِ وَالْجَمَالِ، وَوَافَقَنَا مَالِكٌ عَلَى هَذَا، وَإِنْ خَالَفَنَا إِذَا حَلَفَ، لِيَتَزَوَّجْنَ عَلَيْهَا، عَلَى مَا سَنَذْكُرُ وَإِنْ تَزَوَّجَ عَلَيْهَا بِعَقْدٍ فَاسِدٍ لَمْ يَحْنَثْ، لِأَنَّ فَسَادَ الْعَقْدِ يَمْنَعُ مِنْ صِحَّةِ الشَّرْطِ، وَسَوَاءٌ دَخَلَ بِهَا أَوْ لَمْ يَدْخُلْ وَيَجِيءُ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ إِنَّهُ يَحْنَثُ إِنْ دَخَلَ بِهَا، وَلَا يَحْنَثُ إِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا، عَلَى مَعْنَى قَوْلِهِ: إِذَا نَكَحَ الْوَلِيَّانِ وَدَخَلَ الثَّانِي صَحَّ عَقْدُهُ.
وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَتَزَوَّجَ عَلَيْهَا وَقَدْ طَلَّقَهَا طَلَاقًا رَجْعِيًّا، فَلَا يَخْلُو حَالُهَا فِيهِ مِنْ أَنْ تَكُونَ بَاقِيَةً فِي الْعِدَّةِ أَوْ خَارِجَةً عَنْهَا، فَإِنْ كَانَتْ بَاقِيَةً فِي عِدَّتِهَا طُلِّقَتْ بِالْحِنْثِ أُخْرَى لِأَنَّهَا لَمَّا طُلِّقَتْ فِي الْعِدَّةِ إِذَا بَاشَرَهَا بِالطَّلَاقِ طُلِّقَتْ بِالْحِنْثِ فِي الطَّلَاقِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ حَلَفَ بِعِتْقِ عَبْدِهِ إِنْ بَاعَهُ، فَبَاعَهُ عَتَقَ عَلَيْهِ بَعْدَ بَيْعِهِ، لِأَنَّهُ لَوْ بَاشَرَ عِتْقَهُ فِي خِيَارِ الْمَجْلِسِ عُتق، كَذَلِكَ إِذَا حَلَفَ بِعِتْقِهِ عَتَقَ، وَإِنْ تَزَوَّجَ عَلَيْهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا لَمْ يَلْحَقْهَا بِالْحِنْثِ طَلَاقٌ، لِأَنَّهُ لَا يَلْحَقُهَا بِالْمُبَاشِرَةِ طَلَاقٌ، فَلَوْ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ ثُمَّ تَزَوَّجَ عَلَيْهَا نُظِرَت، فَإِنْ كَانَ قَدْ تَزَوَّجَ عَلَيْهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا وَقَبْلَ اسْتِئْنَافِ نِكَاحِهَا لَمْ تُطَلَّقْ إِذَا تَزَوَّجَ عَلَيْهَا بَعْدَ اسْتِئْنَافِ نِكَاحِهَا لِسُقُوطِ الشَّرْطِ بِالتَّزْوِيجِ الْأَوَّلِ وَإِنْ لَمْ يَتَزَوَّجْ عَلَيْهَا إِلَّا بَعْدَ اسْتِئْنَافِ الْعَقْدِ الْبَاقِي عَلَيْهَا، فَفِي حِنْثِهِ بِوُقُوعِ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: يُطَلِّقُ لِوُجُودِ عَقْدِ الْيَمِينِ، وَشَرْطِ الْحِنْثِ فِي نِكَاحِهَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute