الْوُضُوءَ وَهَكَذَا لَوْ لَمَسَ جِسْمًا بِشَعْرِهِ مِنْ جَسَدِهِ أَوْ بِظُفُرِهِ أَوْ سِنٍّ لَمْ يَنْتَقِضْ وُضُوءُهُ وَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ جَعَلَ لَمْسَ الشَّعْرِ وَالظُّفُرِ وَالسِّنِّ كَلَمْسِ الْجِسْمِ فِي نَقْضِ الْوُضُوءِ، وَكَذَلِكَ اللَّمْسُ بِالشَّعْرِ وَالظُّفُرِ وَالسِّنِّ لِاتِّصَالِ ذَلِكَ بِالْجِسْمِ فَأُلْحِقَ بِحُكْمِهِ كَمَا أُلْحِقَ بِهِ فِي الطَّلَاقِ إِذَا قَالَ شَعْرُكِ طَالِقٌ، لِأَنَّهُ قَدْ يُسْتَحْسَنُ مِنَ الْمَرْأَةِ كَمَا يُسْتَحْسَنُ جِسْمُهَا وَهَذَا خَطَأٌ لِأَنَّ مَا يَحْدُثُ بَعْدَ كَمَالِ الْخِلْقَةِ فَهُوَ بِاللِّبَاسِ أَشْبَهُ، وَلِأَنَّ هَذَا وَإِنْ كَانَ مُسْتَحْسَنًا فَإِنَّمَا يُسْتَحْسَنُ نَظَرُهُ وَلَا يَلْتَذُّ بِمَسِّهِ، وَالْجِسْمُ مَعَ اسْتِحْسَانِ نَظَرِهِ مُلْتَذُّ اللَّمْسِ فَافْتَرَقَا.
(فَصْلٌ: لَمْسُ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ)
فَأَمَّا لَمْسُ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ كَالْأُمِّ وَالْبِنْتِ وَالْخَالَةِ وَالْعَمَّةِ فَفِي انْتِقَاضِ الْوُضُوءِ بِهِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: يَنْقُضُهُ اعْتِبَارًا بِالِاسْمِ فِي عُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {أَوْ لاَمَسْتُمْ النِّسَاءَ} (المائدة: ٦) ، وَلِأَنَّ مَا نَقَضَ الطُّهْرَ مِنَ الْأَجَانِبِ نَقَضَهُ مِنْ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ كَلَمْسِ الْفَرْجِ وَالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: وَهُوَ أَصَحُّ وَبِهِ قَالَ فِي الْجَدِيدِ وَالْقَدِيمِ: أَنَّهُ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ اعْتِبَارًا بِالْمَعْنَى (الْمَقْصُودِ فِي اللَّمْسِ) وَأَنَّهُ لِلشَّهْوَةِ غَالِبًا لِلْمَلْمُوسِ وَهَذَا مَفْقُودٌ فِي ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ، وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَدْ كَانَ يَحْمِلُ أُمَامَةَ بِنْتَ أَبِي الْعَاصِ فِي صَلَاتِهِ، وَلَا يَنْفَكُّ غَالِبًا مِنْ لَمْسِ بَدَنِهَا فِي حَمْلِهِ. وَيَخْرُجُ عَلَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ لمس مَا لَا يُشْتَهَى مِنَ الْعَجَائِزِ وَالْأَطْفَالِ فَيَكُونُ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: يَنْقُضُ الْوُضُوءَ اعْتِبَارًا بِالِاسْمِ الْعَامِّ.
وَالثَّانِي: لَا يَنْقُضُهُ اعْتِبَارًا بِمَعْنَى الْحُكْمِ وَهَكَذَا لَوْ أَنَّ شَيْخًا قَدْ عُدِمَ الشَّهْوَةَ وَفَقَدَ اللَّذَّةَ لَمَسَ بَدَنَ امْرَأَةٍ شَابَّةٍ كَانَ فِي انْتِقَاضِ وُضُوئِهِ وَجْهَانِ:
فَأَمَّا لَمْسُ الْمَيِّتَةِ فَنَاقِضٌ لِوُضُوئِهِ فِي أَظْهَرِ الْوَجْهَيْنِ وَلَا يَنْقُضُهُ فِي الْوَجْهِ الثَّانِي كَالْعَجَائِزِ وَالْأَطْفَالِ لِأَنَّ الْمَيِّتَةَ لَا تُشْتَهَى غَالِبًا لِنُفُورِ النَّفْسِ مِنْهَا.
(فَصْلٌ: حكم الملامسة بين الذكرين، والخنثى المشكل)
فَأَمَّا الْمُلَامَسَةُ بَيْنَ ذَكَرَيْنِ فَإِنْ كَانَ الْمَلْمُوسُ كَبِيرًا لَا يُشْتَهَى كَرَجُلٍ لَمَسَ رَجُلًا فَلَا يَنْتَقِضُ بِهِ الْوُضُوءُ لِفَقْدِ اللَّذَّةِ غَالِبًا فِي لَمْسِهِ، وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا مُسْتَحْسَنًا كَرَجُلٍ لَمَسَ صَبِيًّا أَمْرَدَ فَقَدْ قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ يَنْتَقِضُ الْوُضُوءُ بِلَمْسِهِ كَالْمَرْأَةِ لِمَا تَمِيلُ إِلَيْهِ شَهَوَاتُ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ، وَقَالَ سَائِرُ أَصْحَابِنَا يَنْتَقِضُ الْوُضُوءُ بِلَمْسِهِ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسٍ لَا يَنْتَقِضُ الْوُضُوءُ بِلَمْسِهِ فَكَانَ مَا شَذَّ مِنْهُ مُلْحَقًا بِعُمُومِ الْجِنْسِ وَلَوْ سَاغَ هَذَا لَسَاغَ مَا قَالَهُ مَالِكٌ فِي انْتِقَاضِ الْوُضُوءِ بِلَمْسِ الْبَهِيمَةِ لِلشَّهْوَةِ، وَهَذَا قَوْلٌ مُطَّرَحٌ بِانْعِقَادِ الْإِجْمَاعِ ومقتضى الحجاج فعلى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute