فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ حَتَّى حَالَ عَلَيْهِمُ الْحَوْلُ، قَالَ الشَّافِعِيُّ: عُشِرُوا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْحَوْلِ ثَانِيَةً وَاعْتَبَرَهُمْ بِالْمُسْلِمِينَ فِي أَخْذِ الزَّكَاةِ مِنْهُمْ فِي كل حول، وهذا عند مُعْتَبَرٌ بِالشَّرْطِ الْمَعْقُودِ مَعَهُمْ، فَإِنْ تَضَمُّنَ تَعْشِيرَ أَمْوَالِهِمْ فِي كُلِّ حَوْلٍ عُشِرُوا، وَإِنْ تَضَمَّنَ تَعْشِيرَهَا مَا حَمَّلُوهُ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ لَمْ يُعْشَرُوا اعْتِبَارًا بِمُوجِبِ الشَّرْطِ.
فَأَمَّا الذِّمِّيُّ إِذَا اتَّجَرَ فِي الْحِجَازِ بَعْدَ تَعْشِيرِ مَالِهِ حَتَّى حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ عُشِرَ ثَانِيَةً فِي كُلِّ حَوْلٍ؛ لِأَنَّ لِلذِّمِّيِّ فِي الْجِزْيَةِ حَوْلًا مُقَيَّدًا تَتَكَرَّرُ جِزْيَتُهُ فِيهِ، فَجُعِلَ أَصْلًا لِعَشْرِ مَالِهِ فِي كُلِّ حَوْلٍ، وَلَيْسَ هُوَ فِي حَوْلِ الْجِزْيَةِ أَصْلًا؛ وَلِأَنَّ أَحْكَامَ الْإِسْلَامِ جَارِيَةٌ عَلَى الذِّمِّيِّ دُونَ الْحَرْبِيِّ، فَلَمَّا اسْتَقَرَّ حُكْمُ الْإِسْلَامِ عَلَى أَخْذِ الزَّكَاةِ مِنْ مَالِ الْمُسْلِمِ فِي كُلِّ حَوْلٍ، صَارَ ذَلِكَ أَصْلًا فِي تَعْشِيرِ مَالِ الذِّمِّيِّ فِي الْحِجَازِ فِي كُلِّ حَوْلٍ.
فَأَمَّا إِذَا اتَّجَرَ الذِّمِّيُّ فِي غَيْرِ الْحِجَازِ مِنْ بِلَادِ الْإِسْلَامِ، فَلَا عُشْرَ عَلَيْهِ لِجَوَازِ اسْتِيطَانِهِ لَهَا بِخِلَافِ بِلَادِ الْحِجَازِ الَّتِي لَا يَجُوزُ أَنْ يَسْتَوْطِنَهَا، فَإِنْ شَرَطَ الْإِمَامُ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ حُمِلُوا عَلَى شُرُوطِهِ، وَكَانَ زِيَادَةً فِي جزيتهم.
[(مسألة)]
: قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وَيُحَدِّدُ الْإِمَامُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ فِي تِجَارَاتِهِمْ مَا يَبِينُ لَهُ وَلَهُمْ وَلِلْعَامَّةِ لِيَأْخُذَهُمْ بِهِ الْوُلَاةُ وَأَمَّا الْحَرَمُ فَلَا يَدْخُلَهُ مِنْهُمْ أَحَدٌ بِحَالٍ كان له بها مال أو لم يكن ويخرج الإمام منه إلى الرسل ومن كان بها منهم مريضا أو مات أخرج ميتا ولم يدفن بها، وروي أنه سمع عددا من أهل المغازي يرون أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قال: "
لا يجتمع مسلم ومشرك في الحرم بعد عامهم هذا.
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ، حَتَّى يَنْتَشِرَ فِي كَافَّةِ الْمُسْلِمِينَ، وَفِيهِمْ، يَزُولُ الْخِلَافُ مَعَهُمْ، فَإِذَا انْتَشَرَ فِي بِلَادِ الْإِسْلَامِ كُلِّهَا فِي عَصْرٍ بَعْدَ عَصْرٍ اكْتَفَى بِانْتِشَارِهِ عَنْ تَجْدِيدِهِ، فَإِنْ خِيفَ بِتَطَاوُلِ الزَّمَانِ أَنْ يُخْفَى جَدَّدَهُ كَمَا يَفْعَلُ الْحُكَّامُ فِي الْوُقُوفِ إِذَا خِيفَ دُرُوسُهَا جَدَّدُوا الْإِسْجَالَ بِهَا؛ لِتَكُونَ حُجَجُ سَبِيلِهَا دَائِمَةَ الثُّبُوتِ.
(فَصْلٌ)
: وَإِذَا رَأَى الْإِمَامُ أَنْ يُسْقِطَ عَنْ أَهْلِ الْحَرْبِ تَعْشِيرَ أَمْوَالِهِمْ بِحَادِثٍ اقْتَضَاهُ نَظَرُهُ مِنْ جَدَبٍ أَوْ قَحْطٍ أَوْ لِخَوْفٍ مِنْ قُوَّةٍ تَجَدَّدَتْ لَهُمْ جَازَ إِسْقَاطُهُ عَنْهُمْ، وَلَوْ رَأَى إِسْقَاطَ الْجِزْيَةِ عَنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ لَمْ يَجُزْ إِسْقَاطُهَا؛ لِأَنَّ الْجِزْيَةَ نَصٌّ وَالْعُشْرَ اجْتِهَادٌ.
وَإِذَا زَالَ السَّبَبُ الَّذِي تَرَّكَهُ تَعْشِيرَ أَمْوَالِهِمْ لَمْ يَأْخُذْهُمْ بِعُشْرِ مَا كَانُوا حَمَلُوهُ، وَنَظَرَ فِي التَّرْكِ؛ فَإِنْ كَانَ مُسَامَحَةً لَهُمْ أَخَذَ عُشْرَهُمْ بَعْدَ زَوَالِ السَّبَبِ بِالشَّرْطِ الْأَوَّلِ، وَإِنْ كَانَ إِسْقَاطًا لَمْ يَأْخُذْهُ بَعْدَ زَوَالِ سَبَبِهِ إِلَّا بِشَرْطٍ مُسْتَأْنَفٍ.
وَإِذَا دَعَتِ الْإِمَامَ الضَّرُورَةُ فِي الِاسْتِعَانَةِ بِأَهْلِ الذِّمَّةِ عَلَى قِتَالِ أَهْلِ الْحَرْبِ أَنْ