للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَلِذَلِكَ قُطِعَ، وَسَوَاءٌ أَخَذَهَا أَوْ تَرَكَهَا، وَهَكَذَا لو نزل زِقًّا فِيهِ دُهْنٌ أَوْ عَسَلٌ فَجَرَى مِنْهُ إِلَى خَارِجِ الْحِرْزِ قُطِعَ إِنْ أَمْكَنَ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُ بَعْدَ خُرُوجِهِ قِيمَةَ النِّصَابِ، وَإِنْ تمحق عند خروجه حتى لا يُمْكِنْ أَخْذُهُ ضَمِنَ وَلَمْ يُقْطَعْ؛ لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ كَالْمُسْتَهْلِكِ فِي الْحِرْزِ.

(فَصْلٌ)

فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا وَصَفْنَا وَوَجَبَ عَلَيْهِ الْقَطْعُ بِإِخْرَاجِ السَّرِقَةِ فأعادها إِلَى حِرْزِهَا لَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ الْقَطْعُ وَلَا الضمان.

ويجيء عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ: أَنْ يَسْقُطَ عَنْهُ الْقَطْعُ وَالضَّمَانُ، وَعَلَى قَوْلِ مَالِكٍ أَنْ يَسْقُطَ عَنْهُ الضَّمَانُ وَلَا يَسْقُطَ الْقَطْعُ.

وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِي الضَّمَانِ فِي الْوَدِيعَةِ إِذَا تَعَدَّى فِيهَا ثُمَّ كَفَّ، وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي السَّرِقَةِ إِذَا وُهِبَتْ لَهُ بَعْدَ وجوب القطع.

[(مسألة)]

قال الشافعي: " وإن كانوا ثلاثة فحملوه متاعاً فأخرجوه معاً يبلغ ثَلَاثَةَ أَرْبَاعِ دِينَارٍ قُطِعُوا وَإِنْ نَقَصَ شَيْئًا لَمْ يُقْطَعُوا) .

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَصُورَتُهَا فِي ثَلَاثَةٍ اشْتَرَكُوا فِي نَقْبِ حِرْزٍ وَحَمَلُوا بَيْنَهُمْ مَا سَرَقُوهُ مُشْتَرِكِينَ فِي حَمْلِهِ، فَإِنْ بَلَغَتْ قِيمَتُهُ ثَلَاثَةَ نُصُبٍ، وَكَانَتْ حِصَّةُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ نِصَابًا قُطِعُوا إِجْمَاعًا، سَوَاءٌ خَفَّ أَوْ ثَقُلَ، وإن كانت قيمته نصاباً وحصة كل واحد منهم أقل من نصاب لم يقطعوا، سَوَاءٌ خَفَّ أَوْ ثَقُلَ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ.

وَقَالَ مَالِكٌ: إِنْ كَانَ ثَقِيلًا لَا يَقْدِرُ أَحَدُهُمْ عَلَى حَمْلِهِ قُطِعُوا، وَإِنْ كَانَ خَفِيفًا يَقْدِرُ أَحَدُهُمْ عَلَى حَمْلِهِ لَمِ يُقْطَعُوا في إحدى الروايتين عنه كقولنا، وقطعوا في الرواية الثانية عنه كالثقل؛ اسْتِدْلَالًا مَعَ عُمُومِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ بِأَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ قَطْعَ السَّرِقَةِ مُعْتَبَرٌ بِشَرْطَيْنِ هَتْكُ الْحِرْزِ، وَسَرِقَةُ النِّصَابِ، ثُمَّ ثَبَتَ أَنَّهُمْ لَوِ اشْتَرَكُوا في هتك الحرز جرى عل كل واحد منهم حكم المنفرد بهتكه، كذلك إِذَا اشْتَرَكُوا فِي سَرِقَةِ النِّصَابِ وَجَبَ أَنْ يَجْرِيَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حُكْمُ الْمُنْفَرِدِ بِسَرِقَتِهِ.

وَالثَّانِي: أَنَّ الْوَاحِدَ لَوْ سَرَقَ نِصَابًا مشتركاً بين جماعة قطع، وإن سرق الجماعة من الواحد نصاباً لم يَقْطَعُوا وَإِنْ سَرَقَ كُلُّ وَاحِدٍ أَقَلَّ مِنْ نِصَابٍ اعْتِبَارًا بِالْقَدْرِ الْمَسْرُوقِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ؛ لِأَنَّ سَرِقَةَ الْوَاحِدِ مِنَ الْجَمَاعَةِ كَسَرِقَةِ الْجَمَاعَةِ مِنَ الْوَاحِدِ.

وَدَلِيلُنَا هُوَ أَنَّ سَرِقَةَ كُلِّ وَاحِدٍ لم يبلغ نِصَابًا فَوَجَبَ أَنْ لَا يُقْطَعَ كَالْمُنْفَرِدِ، وَلِأَنَّ مُوجِبَ السَّرِقَةِ شَيْئَانِ: غُرْمٌ وَقَطْعٌ، ثُمَّ ثَبَتَ أَنَّ غُرْمَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مُعْتَبَرٌ بِنَفْسِهِ، فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ قَطْعُهُ مُعْتَبَرًا بِنَفْسِهِ، وَلِأَنَّهُ لَمَّا امْتَنَعَ إِذَا سَرَقَ الْوَاحِدُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْرَازٍ نِصَابًا أَنْ يُقْطَعَ وَلَا يُبْنَى بَعْضُ فعله على بعض كان امتناع قطع الثلاثة وإذا سرقوا من

<<  <  ج: ص:  >  >>