للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَا يَلْزَمُهُ اسْتِئْذَانُهُ فِيهِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ جُمْلَةِ مَصَالِحِهِ الَّتِي لَا تَقِفُ عَلَى إِذْنِهِ كما لا تقف على إذن مَا عَقَدَهُ مِنْ بَيْعٍ وَشِرَاءٍ، وَلَا يَزِيدُ الْمَنْكُوحَةَ عَلَى مَهْرِ مِثْلِهَا كَمَا لَا يَزِيدُ في عقود أمواله على أَعْوَاضِ أَمْثَالِهَا، فَإِنْ زَوَّجَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ المثل كانت الزيادة مردودة ولا تَجُبْ فِي مَالِ السَّفِيهِ وَلَا عَلَى وَلِيِّهِ وَإِنْ أَذِنَ لَهُ الْوَلِيُّ فِي التَّزْوِيجِ لِيَتَوَلَّاهُ السفيه بنفسه جاز.

فإن قبل فَهَلَّا مُنِعَ مِنْ مُبَاشَرَةِ الْعَقْدِ بِنَفْسِهِ وَلَمْ يصح منه مع إذن وليه كما لم يَصِحَّ مِنْهُ عَقْدُ الْبَيْعِ، وَإِنْ أَذِنَ فِيهِ وَلِيُّهُ؟ .

قِيلَ: الْفَرْقُ بَيْنَ النِّكَاحِ حَيْثُ صَحَّ مِنْهُ أَنْ يَعْقِدَهُ بِإِذْنِ الْوَلِيِّ وَبَيْنَ الْبَيْعِ حَيْثُ لَمْ يَصِحَّ مِنْهُ أَنْ يَعْقِدَهُ، وَإِنْ أذن فيه الولي من وجهين:

أحدهما: إن الْمَقْصُودَ بِالْحَجْرِ عَلَيْهِ حِفْظُ الْمَالِ دُونَ النِّكَاحِ فَذَلِكَ لَمْ يَصِحَّ مِنْهُ الْعَقْدُ فِي الْمَالِ وَصَحَّ مِنْهُ الْعَقْدُ فِي النِّكَاحِ.

وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَمَّا صَحَّ مِنْهُ رَفَعُ النِّكَاحِ بِالْخُلْعِ وَالطَّلَاقِ مِنْ غَيْرِ إِذْنٍ فَأَوْلَى أَنْ يَصِحَّ مِنْهُ عَقْدُ النِّكَاحِ بِإِذْنٍ وَلَمَّا لَمْ يَصِحَّ مِنْهُ إنزاله مِلْكَهُ عَنِ الْأَقْوَالِ بِالْعِتْقِ وَالْهِبَةِ بِإِذْنٍ وَلَا غَيْرِ إِذْنٍ لَمْ يَصِحَّ مِنْهُ عُقُودُ الْأَمْوَالِ كُلِّهَا بِإِذْنٍ وَلَا غَيْرِ إِذْنٍ.

فَصْلٌ

فَإِذَا ثبت أن يَجُوزَ أَنْ يَتَوَلَّى عَقْدَ النِّكَاحِ بِنَفْسِهِ بِإِذْنِ وَلِيِّهِ فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا هَلْ على وليه عند إذنه لَهُ فِي النِّكَاحِ أَنْ يُعَيِّنَ لَهُ عَلَى الْمَنْكُوحَةِ أَمْ لَا؟ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:

أَحَدُهَا: يَلْزَمُهُ أَنْ يُعَيِّنَ لَهُ عَلَى الْمَنْكُوحَةِ لِيَقْطَعَ اجْتِهَادَهُ فِي الْعَقْدِ حَتَّى لَا ينكح من يعظم مهرها.

والثاني: عليه أن يعين له على الْقَبِيلَةِ أَوِ الْعَشِيرَةِ حَتَّى لَا يَنْكِحَ مِنْ ذوي الأنساب الذي يَعَظُمُ مُهُورُ نِسَائِهِمْ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُعِيِّنَ له على المرأة من نساء القبيلة لأن يَقِفُ عَلَى اخْتِيَارِ النُّفُوسِ.

وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُعَيِّنَ الْمَنْكُوحَةَ وَلَا عَلَى قَبِيلَتِهَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَسْوَأَ حَالًا مِنَ الْعَبْدِ الَّذِي يَجُوزُ إِذَا أَذِنَ السَّيِّدُ لَهُ فِي النكاح أن لا يعين له عَلَى الْمَنْكُوحَةِ وَلَا عَلَى قَوْمِهَا فَأَوْلَى أَنْ يَكُونَ السَّفِيهُ مِثْلَهُ فِي الْإِذْنِ فَإِذَا نَكَحَ السفيه بمقتضى الْإِذْنِ بِمَهْرِ الْمِثْلِ فَمَا دُونَ لَزَمَهُ الْمَهْرُ والنفقة في ماله أن ينكح بِأَكْثَرَ مِنْ مَهْرِ الْمِثْلِ صَحَّ النِّكَاحُ بِمَهْرِ الْمِثْلِ وَكَانَتِ الزِّيَادَةُ مَرْدُودَةً لَا تَلْزَمُهُ فِي وَقْتِ الْحَجْرِ وَلَا بَعْدَ فَكِّهِ عَنْهُ وَخَالَفَ الْعَبْدَ الَّذِي إِذَا نَكَحَ بِإِذْنِ السَّيِّدِ وَزَادَ عَلَى مَهْرِ الْمِثْلِ كَانَتِ الزِّيَادَةُ فِي ذِمَّتِهِ يؤديها بعد عتقه والرفق بَيْنَهُمَا أَنَّ الْحَجْرَ عَلَى السَّفِيهِ لِحِفْظِ مَالِهِ عَلَيْهِ فَلَوْ لَزِمَتْهُ الزِّيَادَةُ بَعْدَ فَكِّ الْحَجَرِ عَنْهُ لَمْ يَكُنْ مَالُهُ مَحْفُوظًا عَلَيْهِ وَالْعَبْدُ إنما حجر عَلَيْهِ لِأَجْلِ سَيِّدِهِ، وَحِفْظِ مَا يَسْتَحِقُّهُ السَّيِّدُ مِنْ كَسْبِهِ فَإِذَا لَزِمَتْهُ الزِّيَادَةُ بَعْدَ عِتْقِهِ سَلَّمَ حَقَّ السَّيِّدِ وَصَارَ مَالُهُ مَحْفُوظًا عَلَيْهِ.

فَصْلٌ

فَأَمَّا إِذَا نَكَحَ السَّفِيهُ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهِ فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:

<<  <  ج: ص:  >  >>