[مسألة:]
قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وَلَوِ اشْتَرَطَ فِي بَيْعِ السَّمْنِ أَنْ يَزِنَهُ بِظُرُوفِهِ مَا جَازَ وَإِنْ كَانَ عَلَى أَنْ يَطْرَحَ عَنْهُ وَزْنَ الظُّرُوفِ جَازَ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ.
وَفِي هَذَا الْفَصْلِ مَسَائِلٌ مِنْهَا: أَنَّهُ إِذَا ابْتَاعَ سَمْنًا أَوْ غَيْرَهُ مِنَ الزَّائِبَاتِ جُزَافًا فِي ظُرُوفِهِ جَازَ الْبَيْعُ إِذَا فَتَحَ الظُّرُوفَ وَشَاهَدَ مَا فِيهَا أَوْ بَعْضَهُ كَمَا يَجُوزُ بَيْعُ الصُّبْرَةِ الَّتِي لَا يُعْلَمُ قَدْرُ كَيْلِهَا. وَكَذَا لَوِ ابْتَاعَ نِصْفَ مَا فِي الظُّرُوفِ جُزَافًا أَوْ بَعْضَهُ جَازَ أَيْضًا كَالصُّبْرَةِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَبْتَاعَ السَّمْنَ مَعَ ظُرُوفِهِ مُوَازَنَةً كُلُّ منٍّ بِدِرْهَمٍ فَإِنْ كَانَا قَدْ عَلِمَا وَقْتَ الْعَقْدِ وَزْنَ السَّمْنِ وَوَزْنَ الظَّرْفِ جَازَ لِأَنَّهُمَا إِذَا عَلِمَا أَنَّ وَزْنَهُ مِائَةَ مَنٍّ وَإِنْ وَزَنَ الظَّرْفَ مِنْهَا عشرة أمنا فَقَدْ تَبَايَعَا تِسْعِينَ مَنًّا سَمْنًا بِمِائَةِ دِرْهَمٍ كُلُّ مَنٍّ إِلَّا عَشَرَةً بِدِرْهَمٍ، فَإِنْ جَهِلَا ذَلِكَ وَقْتَ الْعَقْدِ أَوْ جَهِلَهُ أَحَدُهُمَا أَوْ عَلِمَا وَزْنَ السَّمْنِ دُونَ الظُّرُوفِ أَوْ وَزْنَ الظُّرُوفِ دُونَ السَّمْنِ فَالْبَيْعُ بَاطِلٌ لِلْجَهَالَةِ بِثَمَنِ مَا تَبَايَعَاهُ مِنَ السَّمْنِ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: أَنْ يتبايعا السمن موازنة في ظرفه ويشترطا إِنْزَالَ الظَّرْفِ بَعْدَ وَزْنِهِ فَهَذَا بَيْعٌ جَائِزٌ لِأَنَّ الزَّائِبَ لَا يَسْتَغْنِي عَنْ ظَرْفٍ وَلَيْسَ يُمْكِنُ بَيْعُهُ مُوَازَنَةً إِلَّا هَكَذَا. فَأَمَّا إِذَا ابْتَاعَ مِنْهُ جَامِدًا فِي ظَرْفِهِ مُوَازَنَةً بِشَرْطِ إِنْزَالِ الظُّرُوفِ كَالدَّقِيقِ وَالطَّعَامِ وَنَحْوِهِمَا فَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِاسْتِغْنَاءِ الْجَامِدِ عَنْ ظَرْفٍ يُوزَنُ مَعَهُ وَهَذَا مُقْتَضَى تَعْلِيلِ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ.
وَالثَّانِي: يَجُوزُ لِأَنَّهُ قَدْ يَصِيرُ بَعْدَ إِنْزَالِ ظَرْفِهِ مَعْلُومَ الْقَدْرِ كَالسَّمْنِ وَهَذَا مُقْتَضَى تَعْلِيلِ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ والله أعلم.
[مسألة:]
قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وَلَوِ اشْتُرِطَ الْخِيَارُ فِي الْبَيْعِ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ بَعْدَ التَّفَرُّقِ فَسَدَ الْبَيْعُ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَقَدْ مَضَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي بَابِ خِيَارِ الْمُتَبَايِعَيْنِ بِمَا فِيهِ مُقْنِعٌ. فَإِذَا شُرِطَ الْخِيَارُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فَمَا دُونَ فَيَجُوزُ اشْتِرَاطُهُ فِي الْعَقْدِ لَهُمَا أَوْ لِأَحَدِهِمَا وَفِي ابْتِدَاءِ زَمَانِهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ فَعَلَى هَذَا إِنْ شَرَطَاهُ مِنْ بَعْدِ التَّفَرُّقِ لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ يَصِيرُ الْخِيَارُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثٍ. وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ: أَنَّ أَوَّلَ زَمَانِ خِيَارِ الثَّلَاثِ مِنْ بَعْدِ الِافْتِرَاقِ لِأَنَّهُمَا خِيَارَانِ ثَبَتَ أَحَدُهُمَا شَرْعًا وَثَبَتَ الْآخَرُ شَرْطًا فَلَمْ يَتَدَاخَلَا لِاخْتِلَافِ مُوجِبِهُمَا فَعَلَى هَذَا لَوْ شَرَطَا خِيَارَ الثَّلَاثِ أَنْ يَكُونَ مِنْ وَقْتِ الْعَقْدِ كَانَ عَلَى وَجْهَيْنِ خَرَّجَهُمَا أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ وَيَجِبُ أَنْ يَكُونَا مُخَرَّجَيْنِ مِنِ اخْتِلَافِ الْوَجْهَيْنِ فِي الْبَيْعِ إِذَا شرطا فيه إسقاط خيار المجلس.