أَحَدُهُمَا: وَهُوَ الْأَصَحُّ عِنْدِي، أَنَّهُ يُرْجَعُ فِيهِ إِلَى بَيَانِهِ وَلَا يَصِيرُ مُقَدَّرًا بِالْقِيمَةِ لِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْقِيمَةَ قَدْ تَخْتَلِفُ وَلَا تَقِفُ فِي الْأَحْوَالِ عَلَى حَدٍّ وَلَا النَّاسُ فِيهَا مُجْمِعُونَ عَلَى قَدْرٍ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُقَدَّرَ الْإِقْرَارُ بِهَا.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ لَا يَصِحُّ أَنْ يَسْتَأْنِفَ تَمَلُّكَ شَيْءٍ بِقِيمَةٍ مُطْلَقَةٍ. فَلِهَذَيْنِ مَا رُجِعَ إِلَى بَيَانِهِ فِي الْقَدْرِ فَإِنْ بَيَّنَ قَدْرًا يَتَقَيَّمُ بِأَلْفٍ أَوْ أَقَلَّ قُبِلَ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يُقَدَّرُ إِقْرَارُهُ بِالْقِيمَةِ، ذَكَرَهُ أَبُو الْقَاسِمِ الطبري وأن العبد يقيم فَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَكْثَرَ مِنْ أَلْفٍ مَلَكَ مِنْهُ بِقِسْطِ الْأَلْفِ وَإِنْ كَانَتْ قِيمَتُهُ أَلْفًا ذَكَرَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَا يَصِيرُ الْمُقَرُّ لَهُ مَالِكًا لِجَمِيعِ الْعَبْدِ لِأَنَّ مَنْ يُوجِبُ التَّبْعِيضَ فَلَا بُدَّ مِنْ إِخْرَاجِ بَعْضِهِ مِنْ إِقْرَارِهِ وَزَعَمَ أَنَّ الصَّحِيحَ عِنْدَهُ أَنْ يَكُونَ إِقْرَارُهُ بِجَمِيعِ الْعَبْدِ اسْتِشْهَادًا بِقَوْلِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ مَنْ قَالَ: لِفُلَانٍ مِنْ هَذَا الْمَالِ أَلْفٌ وَكَانَ الْمَالُ كُلُّهُ أَلْفًا أَنَّهُ إِقْرَارٌ بِجَمِيعِهِ، وَأَنَّ مِنْ قَدْ يَكُونُ لِلتَّبْعِيضِ تَارَةً وَلِلتَّمْيِيزِ أُخْرَى. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ) {الحج: ٣٠) أَيِ اجْتَنِبِ الْأَوْثَانَ الرِّجْسَ.
فَصْلٌ
: وَإِذَا قَالَ: لِفُلَانٍ فِي هَذَا الْعَبْدِ شَرِكَةٌ رَجَعَ فِي قَدْرِ الشَّرِكَةِ إِلَى بَيَانِهِ فَمَا بَيَّنَهُ مِنْ سَهْمٍ وَإِنْ قَلَّ قُبِلَ مِنْهُ.
وَقَالَ أبو يوسف: لَا أَقْبَلُ مِنْهُ أَقَلَّ مِنَ الثُّلُثِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ كَانُواْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ) {النساء: ١٢) وَكَانَ الثُّلُثُ فِي الشَّرْعِ حَدًّا فِي الشَّرِكَةِ. وَهَذَا خَطَأٌ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ الثُّلُثَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ قَدْرًا لِحَقِّ الْمُشْتَرِكِ فِيهِ وَلَمْ يَجْعَلْهُ قَدْرًا لِلسَّهْمِ الْمُشَارِكِ بِهِ، وَلَوْ جَازَ أَنْ يَكُونَ هَذَا حَدًّا لِأَقَلِّ الشَّرِكَةِ لَمَنَعَ مِنَ الزِّيَادَةِ عَلَيْهِ أَنْ تَصِحَّ الشَّرِكَةُ فِيهِ وَلَصَارَ حَدًّا لِأَكْثَرِ مَا تَصِحُّ الشَّرِكَةُ بِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
مَسْأَلَةٌ
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَوْ قَالَ لَهُ فِي مِيرَاثِ أَبِي أَلْفُ درهمٍ كَانَ إِقْرَارًا عَلَى أَبِيهِ بدينٍ وَلَوْ قَالَ فِي مِيرَاثِي مِنْ أَبِي كَانَتْ هِبَةً إلا أن تريد إِقْرَارًا ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ وَهُمَا مَسْأَلَتَانِ يَخْتَلِفُ حُكْمُهُمَا وَالْجَوَابُ مِنْهُمَا. فَالْمَسْأَلَةُ الْأُولَى مِنْهُمَا أَنْ يَقُولَ: لَهُ فِي مِيرَاثِ أَبِي أَلْفُ دِرْهَمٍ فَهَذَا إِقْرَارٌ عَلَى أَبِيهِ بِدَيْنٍ فِي تَرِكَتِهِ.
وَالْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَقُولَ: لَهُ فِي مِيرَاثِي مِنْ أَبِي أَلْفُ دِرْهَمٍ فَهَذِهِ هِبَةٌ لَمْ تُقْبَضْ فَتَكُونُ غَيْرَ لَازِمَةٍ إِلَّا أَنْ يريد إقرارً بدين.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute