للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قِيلَ: الْمُكَاثَرَةُ لَا تُزِيلُ النَّجَاسَةَ؛ لِبَقَائِهَا فِيهِ، وَإِنَّمَا يَغْلُبُ حُكْمُ الْمُكَاثَرَةِ، فَيُحْكَمُ لَهُ بِالطَّهَارَةِ.

أو لا تَرَى أَنَّ الْبَوْلَ لَوْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ الْكَثِيرِ، فَلَمْ يُغَيِّرْهُ كَانَ طَاهِرًا، وَجَازَ بَيْعُهُ وَلَا يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى طَهَارَةِ الْبَوْلِ، كَذَلِكَ الْمَاءُ النَّجِسُ.

وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: مَا لَمْ يَتَمَيَّزْ نَجَاسَتُهُ؛ لِامْتِزَاجِهِ وَاخْتُلِفَ فِي إِمْكَانِ إِزَالَتِهَا مِنْهُ، وَهُوَ الزَّيْتُ النَّجِسُ، وَمَا جَرَى مَجْرَاهُ مِنَ الْأَدْهَانِ، دُونَ السَّمْنِ. فَفِي إِمْكَانِ غَسْلِهِ وَطَهَارَتِهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ وَابْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ يُمْكِنُ غَسْلُهُ، وَيَطْهُرُ بِأَنْ يُرَاقَ عَلَيْهِ الْمَاءُ فِي إِنَاءٍ، وَيُمْخَضُ فِيهِ مَخْضًا، يَصِيرُ بِهِ مَغْسُولًا، كَالثَّوْبِ؛ لِأَنَّ الدُّهْنَ يَتَمَيَّزُ عَنِ الْمَاءِ وَيَعْلُو عَلَيْهِ، كَمَا يَتَمَيَّزُ الثَّوْبُ، ثُمَّ يُؤْخَذُ، فَيَكُونُ طَاهِرًا.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَقَوْلِ جُمْهُورِ أَصْحَابِهِ إِنْ غَسَلَهُ لَا يَصِحُّ بِخِلَافِ الثَّوْبِ، لِأَنَّهُ مَائِعٌ، كَالْمَاءِ، فَلَمْ يَكُنْ جَذْبُ الْمَاءِ لِلنَّجَاسَةِ بِأَوْلَى مِنْ جَذْبِ الزَّيْتِ لَهَا، فَكَانَ بَاقِيًا عَلَى نَجَاسَتِهِ وَالْمَاءُ فِي الثَّوْبِ يَجْذِبُ نَجَاسَتَهُ إِلَيْهِ، فَافْتَرَقَا.

فَإِنْ قِيلَ: إِنَّ غَسْلَهُ لَا يَصِحُّ لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ، وَهُوَ الصَّحِيحُ.

وَإِنْ قِيلَ: إِنْ غَسْلَهُ يَصِحُّ، فَفِي جَوَازِ بَيْعِهِ وَجْهَانِ مِنْ عِلَّتَيْ بَيْعِ الثوب النجس:

إحداهما: يَجُوزُ بَيْعُهُ تَعْلِيلًا بِإِمْكَانِ تَطْهِيرِهِ بِالْغَسْلِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَا يَجُوزُ بَيْعُهُ تَعْلِيلًا بِذَهَابِ أَكْثَرِ منافعه بنجاسته.

[(مسألة:)]

قال الشافعي: " وَيُسْتَصْبَحُ بِهِ فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ يُنْتَفَعُ بِهِ وَلَا يَبِيعُهُ؟ قِيلَ قَدْ يَنْتَفِعُ الْمُضْطَرُّ بِالْمَيْتَةِ وَلَا يَبِيعُهَا وَيَنْتَفِعُ بِالطَّعَامِ فِي دَارِ الْحَرْبِ ولا يبيعه في تلك الحال قال وَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عن ثمن الكلب وأباح الانتفاع به في بعض الأحوال فغير مستنكرٍ أن ينتفع الرجل بالزيت ولا يبيعه في هذه الْحَالِ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ، وَالِانْتِفَاعُ بِمَا نَجُسَ مِنَ السَّمْنِ وَالزَّيْتِ فِي الِاسْتِصْبَاحِ، جَائِزٌ عَلَى مَا سَنَصِفُهُ.

وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ وَطَائِفَةٌ مِنْ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ: الِانْتِفَاعُ بِهِ حَرَامٌ فِي اسْتِصْبَاحٍ وَغَيْرِهِ؛ احْتِجَاجًا بِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَمَرَ بِإِرَاقَتِهِ.

وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا ذَهَبْنَا إِلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ رِوَايَةُ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ أَبِيهِ،

<<  <  ج: ص:  >  >>