للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلِأَنَّ مِنَ الْحُقُوقِ الْمُخْتَلِفَةِ مَا يَتَعَذَّرُ وُجُودُ جِنْسِهَا فِي مَالِهِ، فَدَلَّ عَلَى جَوَازِ أَخْذِهِ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ وَمِنْ جِنْسِهِ، وَلِأَنَّ مَنْ جَازَ لَهُ أَخْذُ دَيْنِهِ مِنْ جِنْسِهِ جَازَ لَهُ أَخْذُهُ مَعَ تَعَذُّرِ الْجِنْسِ أَنْ يُأْخَذَ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ قِيَاسًا عَلَى أَخْذِ الدَّرَاهِمِ بِالدَّنَانِيرِ، وَالدَّنَانِيرِ، بِالدَّرَاهِمِ.

وَلِأَنَّ مَنْ جَازَ أَنْ يُقْضَي مِنْهُ دَيْنُهُ، جَازَ أَنْ يَتَوَصَّلَ مُسْتَحِقُّهُ إِلَى أَخْذِهِ، إِذَا امْتَنَعَ بِحَسَبِ الْمُمْكِنِ قِيَاسًا عَلَى الْمُحَاكَمَةِ.

فَإِنْ قِيلَ: فَالْحَاكِمُ يُجْبِرُ عَلَى الْبَيْعِ وَلَا يَبِيعُ عَلَيْهِ.

قِيلَ: عِنْدَنَا يَبِيعُ عَلَيْهِ فِي دَيْنِهِ، إِذَا امْتَنَعَ مِنْ بَيْعِهِ سَوَاءٌ، كَانَ مَالُهُ عُرُوضًا، أَوْ عَقَارًا. وَحُكِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ: أَنَّهُ مَنَعَ مِنَ بَيْعِ الْعَقَارِ فِي الدُّيُونِ، وَهُوَ عِنْدَنَا مَبِيعٌ عَلَيْهِ، فِي الْحَالَيْنِ جَبْرًا، لِأَنَّ جَمِيعَ الدُّيُونِ تُقْضَى مِنْ جَمِيعِ الْأَمْوَالِ كَدَيْنِ الْمَيِّتِ.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عن قولهم: " لا يحل مال امرىء مُسْلِمٍ إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ " فَهُوَ إِنْ حَمَلَهُ عَلَى أَنْ لَا يَدْفَعَ صَاحِبُ الدَّيْنِ مِنْ دَيْنِهِ، وَهُوَ مَظْلُومٌ، أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى مَنْ عَلَيْهِ الدَّيْنُ، وَهُوَ ظَالِمٌ. وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ: " أَدِّ الْأَمَانَةَ لِمَنِ ائْتَمَنَكَ وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ ". وَهُوَ أَنَّ الْأَمَانَةَ هِيَ الْوَدِيعَةُ، تُؤَدَّى إِلَى مَالِكِهَا، وَلَيْسَ مَالُ الْغَرِيمِ وَدِيعَةً، يَكُونُ أَمَانَةً وَقَوْلِهِ: " وَلَا تَخُنْ مَنْ خَانَكَ " فَلَيْسَ مُسْتَوْفِي حَقِّهِ خَائِنًا، فَلَمْ يَتَوَجَّهْ إِلَيْهِ الْخِطَابُ.

فَإِنْ قِيلَ: فَمَا مَعْنَى الْخَبَرِ. قِيلَ: يُحْمَلُ مَعْنَاهُ مَعَ ضَعْفِهِ، عِنْدَ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ، عَلَى أَحَدِ وَجْهَيْنِ: إِمَّا عَلَى الْأَعْرَاضِ، إِذَا هُتِكَتْ وَالْحُقُوقِ إِذَا بَطَلَتْ وَإِمَّا عَلَى الْوَدَائِعِ، إِذَا جُحِدَتْ ثُمَّ أُدِّيَتْ.

وَأَمَّا قِيَاسُهُ عَلَى مَا فِي يَدِهِ مِنْ رُهُونٍ وَوَدَائِعَ، فَتِلْكَ لَا يَمْلِكُهَا فَلَمْ يَجُزْ أَنْ تؤخذ في دينه، وهذا ما له فَجَازَ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ دَيْنِهِ.

وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ بِالتَّقْسِيمِ فِي أَخْذِهِ مِلْكًا، أَوْ مبيعا فإنه يَنْقَسِمُ يُؤْخَذُ فِي أَخْذِ الدَّرَاهِمِ عَنِ الدَّنَانِيرِ والدنانير عن الدراهم، ولا يمنع جَوَازُهُ، فَكَذَلِكَ فِي غَيْرِهِ عَلَى أَنَّ لَنَا فِي الْبَيْعِ مَا سَنَذْكُرُهُ.

(فَصْلٌ)

: فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ لَهُ أَخْذَهُ مِنْ جِنْسِهِ، وَمِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ.

قِيلَ لَهُ: إِنْ قَدَرْتَ عَلَيْهِ مِنْ جِنْسِ حَقِّكَ، لَمْ يَكُنْ لَكَ أَنْ تَعْدِلَ إِلَى غَيْرِ جِنْسِكَ. وَكُنْتَ فِي أَخْذِهِ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ مُتَعَدِّيًا فَإِنْ كَانَ حَقُّكَ دَرَاهِمَ لَمْ يَكُنْ لَكَ أَنْ تَأْخُذَهُ إِلَّا دَرَاهِمَ، وَإِنْ كَانَ حَقُّكَ دَنَانِيرَ، لَمْ يَكُنْ لَكَ أَنْ تَأْخُذَهُ إِلَّا دَنَانِيرَ، وَكَذَلِكَ إِنْ كَانَ حَقُّكَ بُرًّا، أَوْ شَعِيرًا أَخَذْتَ جِنْسَ حَقِّكَ مِنَ الْبُرِّ، وَالشَّعِيرِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>