وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ: إِنَّ الْبُضْعَ لَا يُقَوَّمُ إِلَّا فِي عَقْدٍ أَوْ شِبْهِ عَقْدٍ: فَهُوَ أَنَّهُ غَيْرُ مُسَلَّمٍ لِأَنَّ الْمُغْتَصَبَةَ مُقَوَّمَةُ الْبُضْعِ عِنْدَنَا عَلَى غَاصِبِهَا، وَالْمَشْهُودَ بِطَلَاقِهَا مُقَوَّمَةُ الْبُضْعِ عَلَى الشُّهُودِ إِذَا رَجَعُوا لِلزَّوْجِ دُونَهَا فَصَارَ بُضْعُهَا مُقَوَّمًا فِي غَيْرِ عَقْدٍ وَشُبْهَةٍ فِي حَقِّهَا، وَحَقِّ غَيْرِهَا فَلَمْ يَمْنَعْ مِنْ تَقْوِيمِهِ فِي شُفْعَةٍ صَدَاقُهَا.
فَصْلٌ
: فَإِذَا ثَبَتَ وجوب الشفعة في الصداق والخلف فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ مَأْخُوذٌ بِمَهْرِ الْمِثْلِ، وَقَالَ مَالِكٌ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى يُؤْخَذُ بِقِيمَتِهِ لَا بِمَهْرِ الْمِثْلِ، وَحُكِيَ نَحْوُهُ عَنِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْقَدِيمِ؛ لِأَنَّ الْمُهُورَ قَدْ يُزَادُ فِيهَا وَيُنْقَصُ فَخَالَفَتِ الْبُيُوعَ. وَهَذَا فَاسِدٌ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: وُجُودُ هَذَا الْمَعْنَى فِي الْأَثْمَانِ لِجَوَازِ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ ثُمَّ لَمْ يُمْنَعْ أَنْ يُؤْخَذَ الشِّقْصُ بِمِثْلِ الثَّمَنِ كَذَلِكَ لَا يُمْنَعُ فِي الصَّدَاقِ أَنْ يُؤْخَذَ بِقِيمَةِ الْبُضْعِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ مَا لَا مِثْلَ لَهُ مِنَ الْأَعْوَاضِ يُوجِبُ الرُّجُوعَ إِلَى قِيمَةِ الْعِوَضِ دُونَ الشِّقْصِ كَالْعَبْدِ وَالثَّوْبِ كَذَلِكَ الْبُضْعُ الَّذِي لَا مِثْلَ لَهُ يُوجِبُ الرُّجُوعَ إِلَى قِيمَتِهِ مِنَ الْمَهْرِ دُونَ الشِّقْصِ.
: فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ مَأْخُوذٌ بِمَهْرِ الْمِثْلِ فَسَوَاءٌ كَانَ قِيمَةُ الشِّقْصِ بِإِزَاءِ مَهْرِ الْمِثْلِ أَوْ كَانَ زَائِدًا عَلَيْهِ، أَوْ نَاقِصًا عَنْهُ حَتَّى لَوْ كَانَ مَهْرُ الْمِثْلِ دِينَارًا، وَقِيمَةُ الشِّقْصِ مِائَةَ دِينَارٍ، وَلَوْ كَانَ مَهْرُ الْمِثْلِ مِائَةَ دِينَارٍ، وَقِيمَةُ الشِّقْصِ دِينَارًا. أُخِذَ بِمِائَةِ دِينَارٍ، فَعَلَى هَذَا لَوِ اخْتَلَفَا فِي مَهْرِ الْمِثْلِ تَرَافَعَا فِيهِ إِلَى الْحَاكِمِ لِيَجْتَهِدَ فِي مَهْرِ مِثْلِهَا وَيُسْقِطَ تَنَازُعَهُمَا فَإِنْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ عَلَى الْحَاكِمِ لِمَوْتِهَا، أَوْ لِتَغَيُّرِ حَالِهَا، أَوْ لِاخْتِلَافِ ذَلِكَ فِي أَهْلِهَا وَعَشَائِرِهَا، وَأَمْكَنَ مَا قَالَاهُ، فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا مَعَ يَمِينِهَا لِاخْتِلَافِهِمَا فِي الثَّمَنِ.
: ثُمَّ يَتَفَرَّعُ عَلَى مَا مَهَّدْنَا مِنْ هَذَا الْأَصْلِ ثَلَاثَةُ فُرُوعٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَتَزَوَّجَهَا عَلَى شِقْصٍ مِنْ دَارٍ، وَيَأْخُذَ مِنْهَا دِينَارًا فيصير الشقص في مقابلةبضع وَدِينَارٍ، فَيَكُونُ مَا قَابَلَ الدِّينَارَ بَيْعًا، وَمَا قَابَلَ الْبُضْعَ صَدَاقًا، فَيَخْرُجُ عَلَى قَوْلَيْنِ مِنَ اخْتِلَافِ قَوْلَيْهِ فِي الْعَقْدِ إِذَا جَمَعَ بَيْعًا وَصَدَاقًا.
أَحَدُهُمَا: بَاطِلٌ فِيهِمَا وَلَا شُفْعَةَ فِيهِ.
وَالثَّانِي: جَائِزٌ فِيهِمَا فَعَلَى هَذَا يَأْخُذُ الشِّقْصَ بِمَهْرِ الْمِثْلِ وَبِدِينَارٍ لِأَنَّ الصَّدَاقَ مِنَ الشِّقْصِ مَأْخُوذٌ بِمَهْرِ الْمِثْلِ وَالْمَبِيعُ مِنْهُ مَأْخُوذٌ بِالدِّينَارِ الَّذِي هُوَ الثَّمَنُ، فَلَوْ قَالَ الشَّفِيعُ أَنَا آخُذُ الْمَبِيعَ مِنَ الشِّقْصِ دُونَ الصَّدَاقِ كَانَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا عَقْدٌ يَخْتَصُّ بِحُكْمٍ وَإِنْ جَمْعَهُمَا صَفْقَةٌ فَعَلَى هَذَا يُنْظَرُ قَدْرُ مَهْرِ الْمِثْلِ فَإِذَا كَانَ خَمْسَةَ دَنَانِيرَ ضَمَّ إِلَيْهَا دِينَارَ الثَّمَنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute