بِضَرْبِ رَجُلٍ أَوْ بِقَتْلِهِ ظُلْمًا فَعَلَى ثَلَاثَةِ أقسام:
أحدها: ألا يعلم الجلاد بظلم الإمام، أو يعتقد فِيهِ أَنَّهُ بِحَقٍّ، لِأَنَّ الْإِمَامَ الْعَادِلَ لَا يُقْدِمُ عَلَى الْقَتْلِ إِلَّا بِحَقٍّ. فَالضَّمَانُ عَلَى الْإِمَامِ دُونَ الْجَلَّادِ لِأَنَّهُ مُلْتَزِمٌ لِلطَّاعَةِ، فَقَامَ أَمْرُهُ مَقَامَ فِعْلِهِ لِنُفُوذِهِ.
وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يَعْلَمَ الْجَلَّادُ بِظُلْمِ الْإِمَامِ. إِمَّا بِأَنْ يَقُولَ له الإمام أن اضرب هذا ظلماً بغير حد أَوْ يَعْلَمَ ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ الْإِمَامِ، وَلَا يكون من الإمام إكراه للجلاد، فالضمان هنا عَلَى الْجَلَّادِ دُونَ الْإِمَامِ فِي الْقَوَدِ وَالدِّيَةِ، لأنه مختار.
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ يَعْلَمَ الْجَلَّادُ بِظُلْمِ الْإِمَامِ، والإمام مكره له عليه، فلا قود على الإمام إلا من وَاجِبٌ وَفِي وُجُوبِهِ عَلَى الْجَلَّادِ الْمُبَاشِرِ قَوْلَانِ: فَإِنْ سَقَطَ الْقَوَدُ فَإِنْ قِيلَ: إِنَّهُ لَوْ وجب كان عليه مع سقوط القود عنهما.
وإن قيل لَوْ وَجَبَ كَانَ عَلَى الْإِمَامِ دُونَ الْجَلَّادِ. فَفِي الدِّيَةِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: عَلَى الْإِمَامِ وَحْدَهُ، اعتباراً بالقود.
والوجه الثاني: أنها عليهما نصفين، وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ مِنَ اخْتِلَافِ أَصْحَابِنَا فِي سُقُوطِ الْقَوَدِ عَنِ الْجَلَّادِ بِأَيِّ عِلَّةٍ سَقَطَ. فَعَلَى تعليل البغداديين أن سقوط القود لشبهة الْإِكْرَاهِ فَعَلَى هَذَا تَكُونُ الدِّيَةُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ، وَعَلَى تَعْلِيلِ الْبَصْرِيِّينَ أَنَّ سُقُوطَ الْقَوَدِ لِأَنَّ الْإِكْرَاهَ نَقْلُ حُكْمِ الْفِعْلِ إِلَى الْمُكْرَهِ، فَعَلَى هَذَا تَكُونُ الدِّيَةُ كُلُّهَا عَلَى الْإِمَامِ.
(مَسْأَلَةٌ)
قال الشافعي: " ولو قال الجالد قد ضَرَبْتُهُ وَأَنَا أَرَى الْإِمَامَ مُخْطِئًا وَعَلِمْتُ أَنَّ ذَلِكَ رَأْيُ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ ضَمِنَ إِلَّا مَا غاب عَنْهُ بِسَبَبِ ضَرْبِهِ) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَجُمْلَتُهُ أَنَّ الْإِمَامَ إِذَا أَمَرَ الْجَلَّادَ بِقَتْلٍ أَوْ جَلْدٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ، كَقَتْلِ الْمُسْلِمِ بِالْكَافِرِ، وَالْحُرِّ بِالْعَبْدِ، وحد الزنا بشهادة الراويان وَحَدِّ الْقَذْفِ فِي التَّعْرِيضِ، لَمْ يَخْلُ حَالُهُمَا فيه من أربعة أقسام:
أحدهما: أَنْ يَعْتَقِدَ الْإِمَامُ وَالْجَلَّادُ وُجُوبَهُ، فَلَا ضَمَانَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَوَدًا وَلَا دِيَةً، وَلَا تكون مخالفة غيرها مَانِعًا مِنْ نُفُوذِ الْحُكْمِ بِالِاجْتِهَادِ.
وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يَعْتَقِدَاهُ غَيْرَ وَاجِبٍ، فَالضَّمَانُ فِيهِ وَاجِبٌ ولا تكون مخالفة غيرها مُسْقِطَةٌ لِلضَّمَانِ، وَهِيَ مَسْأَلَةُ الْكِتَابِ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُقْدِمَ عَلَى قَتْلٍ يَعْتَقِدُ حَظْرَهُ، لِأَنَّ غَيْرَهُ أَبَاحَهُ وَإِذَا وَجَبَ الضَّمَانُ فَإِنْ كَانَ الْجَلَّادُ غَيْرَ مُكْرَهٍ، فَالضَّمَانُ عَلَى الْجَلَّادِ دُونَ الْإِمَامِ. وَإِنْ كَانَ مُكْرَهًا فَالضَّمَانُ عَلَيْهِمَا عَلَى التَّفْصِيلِ الَّذِي قَدَّمْنَاهُ، وَإِذَا وَجَبَ الضَّمَانُ لَمْ يَخْلُ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ فِيهِ نَصٌّ أَوْ لَا نَصَّ فِيهِ فَإِنْ لم يكن