[(باب الشك في الطلاق)]
قال الشافعي رحمه الله تعالى: (لَمَّا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: (إن الشيطان لعنة الله يَأْتِي أَحَدَكُمْ فَيَنْفُخُ بَيْنَ إِلْيَتَيْهِ فَلَا يَنْصَرِفْ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَشُمَّ رِيحًا) . عَلِمْنَا أَنَّهُ لَمْ يُزَلْ يَقِينُ طَهَارَةٍ إِلَّا بِيَقِينِ حَدَثٍ فَكَذَلِكَ مَنِ اسْتَيْقَنَ نِكَاحًا ثُمَّ شَكَّ فِي الطَّلَاقِ لَمْ يُزَلِ الْيَقِينُ إِلَّا بِالْيَقِينِ.
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَا الشَّكُّ فِي أَصْلِ الطَّلَاقِ هَلْ طَلَّقَ أَمْ لَا؟ فَلَا طَلَاقَ عَلَيْهِ إِسْقَاطًا لِحُكْمِ الشَّكِّ، وَاعْتِبَارًا بِيَقِينِ النِّكَاحِ وَأَنَّ أَحْكَامَ الشَّرْعِ مُسْتَقِرَّةٌ عَلَى تَغْلِيبِ الْيَقِينِ عَلَى الشَّكِّ لِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: إِذَا شَكَّ فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يَدْرِ ثَلَاثًا صَلَّى أَوْ أَرْبَعَا فَلْيَبْنِ عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ وَلِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: إِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْتِي أَحَدَكُمْ فَيَنْفُخُ بَيْنَ إِلْيَتَيْهِ فَيَقُولُ أَحْدَثْتُ أَحْدَثْتُ فَلَا يَنْصَرِفْ مِنْ صَلَاتِهِ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا. فَأَمَرَهُ في هين الْخَبِرَيْنِ أَنْ يَعْمَلَ عَلَى الْيَقِينِ فِيمَا يُؤَدِّيهِ مِنْ صِلَاتِهِ وَفِيمَا يَلْتَزِمُ مِنْ حَدَثِهِ وَأَسْقَطَ حُكْمَ الشَّكِّ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِهِ حُكْمٌ، فَكَذَلِكَ فِي الطَّلَاقِ يَلْزَمُ مَا يَتَيَقَّنُهُ وَيَسْقُطُ مَا يَشُكُّ فِيهِ، وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْأَحْكَامِ، فَإِنْ قِيلَ: فقد تركتم هذا لأصل فِي مَوَاضِعَ غَلَّبْتُمْ فِيهَا حُكْمَ الشَّكِّ عَلَى الْيَقِينِ مِنْهَا فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ إِذَا شَكَّ وَهُوَ فِيهَا فِي دُخُولِ وَقْتِ صَلَاةِ الْعَصْرِ غَلَبَ حُكْمُ الشَّكِّ وَأَتَمَّهَا ظُهْرًا فَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا أَنَّ أَصْحَابَنَا اخْتَلَفُوا فِيهِ، فَذَهَبَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ إِلَى أَنَّهُ يُتِمُّهَا جُمُعَةً تَغْلِيبًا لِحُكْمِ الْيَقِينِ فِي بَقَاءِ الْوَقْتِ فَسَقَطَ هَذَا الِاعْتِرَاضُ.
وَقَالَ غَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا: بَلْ يُتِمُّهَا لِأَجْلِ الشَّكِّ ظُهْرًا؛ لِأَنَّ فَرْضَ الصَّلَاةِ مُتَيَقَّنٌ فَلَمْ يَسْقُطْ إِلَّا بِيَقِينِ الْأَدَاءِ، وَأَدَاءُ الْجُمُعَةِ يَصِحُّ بِشَرْطٍ مُتَيَقَّنٍ وَهُوَ بَقَاءُ الْوَقْتِ، فَلَمْ يَصِحَّ أَدَاؤُهَا مَعَ الشَّكِّ فِي وُجُودِ شَرْطِهَا فَلِذَلِكَ أَتَمَّهَا ظُهْرًا، فَعَلَى هَذَا إِنَّمَا هُوَ تُقَابُلُ أَصْلَيْنِ لَا يُمْكِنُ الْعَمَلُ عَلَى الْيَقِينِ فيها فَرَجَّحْنَا حُكْمَ الْيَقِينِ فِي أَوْكَدِهِمَا.
وَمِنْهَا الْمُتَلَفِّفُ فِي ثَوْبِهِ إِذَا ضَرَبَهُ ضَارِبٌ فَقَدَّهُ، وَاخْتُلِفَ فِي حَيَاتِهِ قَبْلَ ضَرْبِهِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute