للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَخْلُو إِمْسَاكُهَا مِنْ أَحَدِ أَمْرَيْنِ، إِمَّا أَنْ يَكُونَ لِعَفْوٍ أَوْ لِتَوَقُّفٍ.

فَإِنْ كَانَ إِمْسَاكُهَا لِتَوَقُّفٍ عَنِ الْمُطَالَبَةِ مِنْ غَيْرِ عَفْوٍ عَنْهُ، جَازَ لِلزَّوْجِ أَنْ يُلَاعِنَ لِيُسْقِطَ بِهِ الْحَدَّ عَنْ نَفْسِهِ، وَلِيَرْفَعَ بِهِ الْفِرَاشَ، وَيَنْفِيَ بِهِ النَّسَبَ، وَإِنْ كَانَ إِمْسَاكُهَا لِعَفْوٍ عَنِ الْحَدِّ، نُظِرَ فَإِنْ كَانَ هُنَاكَ وَلَدٌ يُرِيدُ الزَّوْجُ نفيه باللعان فعليه أن يلتعن لنفيه، لأنه لا ينتفى عنه إلا بلعان، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ وَلَدٌ يُنْفَى، فَفِي جَوَازِ لِعَانِهِ وَجْهَانِ:

أَحَدُهُمَا: يَجُوزُ أَنْ يَلْتَعِنَ لِرَفْعِ الْفِرَاشِ بِالتَّحْرِيمِ الْمُؤَبَّدِ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: لَيْسَ لَهُ أَنْ يُلَاعِنَ، لِأَنَّهُ لَا يَسْتَفِيدُ بِلِعَانِهِ فائدة، وتحريمها يقدر عليه بطلاقه، والله أعلم.

[(مسألة)]

قال الشافعي رضي الله عنه: " وَلَمَّا لَمْ يَخُصَّ اللَّهُ أَحَدًا مِنَ الْأَزْوَاجِ دُونَ غَيْرِهِ وَلَمْ يَدُلَّ عَلَى ذَلِكَ سُنَّةٌ وَلَا إِجْمَاعٌ كَانَ عَلَى كُلِّ زَوْجٍ جَازَ طَلَاقُهُ وَلَزِمَهُ الْفَرْضُ وَكَذَلِكَ كُلُّ زَوْجَةٍ لَزِمَهَا الْفَرْضُ وَلِعَانُهُمْ كُلُّهُمْ سَوَاءٌ لَا يَخْتَلِفُ الْقَوْلُ فِيهِ وَالْفُرْقَةُ وَنَفْيُ الْوَلَدِ وَتَخْتَلِفُ الْحُدُودُ لِمَنْ وَقَعَتْ لَهُ وَعَلَيْهِ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ اللِّعَانُ يَمِينٌ تَصِحُّ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ صح طَلَاقه وَظِهَاره وَمَعَ كُلِّ زَوْجَةٍ صَحَّ مِنْهَا فِعْلُ الزِّنَا، سَوَاءٌ كَانَا مُسْلِمَيْنِ أَوْ كَافِرَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا مُسْلِمًا وَالْآخِرُ كَافِرًا، وَسَوَاءٌ كَانَا حُرَّيْنِ أَوْ مَمْلُوكَيْنِ، أَوْ أَحَدُهُمَا حُرًّا وَالْآخَرُ مَمْلُوكًا، وَسَوَاءٌ كَانَا عَفِيفَيْنِ أَوْ مَحْدُودَيْنِ فِي قَذْفٍ أَوْ أَحَدُهُمَا عَفِيفًا وَالْآخَرُ مَحْدُودًا، وَبِهِ قَالَ مِنَ التَّابِعِينَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَارٍ وَمِنَ الْفُقَهَاءِ: رَبِيعَةُ، وَمَالِكٌ، وَاللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَابْنُ شُبْرُمَةَ، وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَصَاحِبَاهُ: اللِّعَانُ شَهَادَةٌ لَا تَصِحُّ إِلَّا مِنْ مُسْلِمَيْنِ حُرَّيْنِ، عَفِيفَيْنِ، فَإِنْ كَانَا كَافِرَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا، أَوْ مَمْلُوكَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا، أَوْ مَحْدُودَيْنِ فِي قَذْفٍ أَوْ أَحَدُهُمَا، لَمْ يَصِحَّ لِعَانُهُ.

وَبِهِ قَالَ الزُّهْرِيُّ، وَالْأَوْزَاعِيُّ، وَاسْتَدَلَّ عَلَى أَنَّ اللِّعَانَ شَهَادَةٌ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ} [النور: ٦] فَدَلَّتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ اللِّعَانَ شَهَادَةٌ مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: قَوْلُهُ {وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلا أنفسهم} . فاستثنائهم مِنَ الشُّهَدَاءِ بِأَنْ جَعَلَهُمْ شُهَدَاءَ لِأَنْفُسِهِمْ، وَالِاسْتِثْنَاءُ مِنَ الْجُمْلَةِ دَاخِلٌ فِي جِنْسِهَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>