وَالثَّانِي: وَهُوَ احْتِجَاجُ الْإِصْطَخْرِيِّ أَنَّ الْجِنَايَةَ إِذَا صَارَتْ نَفْسًا كَانَ الِاعْتِبَارُ بِبَدَلِهَا وَقْتَ اسْتِقْرَارِهَا كَالْجِنَايَةِ عَلَى الْعَبْدِ إِذَا أُعْتِقَ وَعَلَى الْكَافِرِ إِذَا أَسْلَمَ.
وَهَذَا خَطَأٌ؛ لِأَنَّ سِرَايَةَ الْجِنَايَةِ إِذَا لَمْ تَتَغَيَّرْ بِحَال حَادِثَةٍ كَانَتْ مُعْتَبَرَةً بِوَقْتِ الْجِنَايَةِ دُونَ اسْتِقْرَارِ السِّرَايَةِ كَالْعَبْدِ إِذَا جُنِيَ عَلَيْهِ ثُمَّ سَرَتْ إِلَى نَفْسِهِ مَعَ بَقَاءِ رِقِّهِ، اعْتُبِرَتْ قِيمَتُهُ وَقْتَ الْجِنَايَةِ دُونَ اسْتِقْرَارِهَا، وَلَوْ تَغَيَّرَتْ حَالُهُ فَأُعْتِقَ قَبْلَ مَوْتِهِ اعْتُبِرَ بِهَا وَقْتَ اسْتِقْرَارِهَا، كَذَلِكَ الْجَنِينُ إِذَا لَمْ يَتَغَيَّرْ حَالُهُ اعْتُبِرَ وَقْتَ الْجِنَايَةِ، وَإِنْ تَغَيَّرَتِ اعْتُبِرَ بِهِ وَقْتَ الِاسْتِقْرَارِ وَفِي هَذَا دَلِيلٌ وَانْفِصَالٌ.
(فَصْلٌ)
فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا تَفَرَّعَ عَلَيْهِ أَنْ يَضْرِبَ بَطْنَ حَامِلٍ حَرْبِيَّةٍ فَتُسْلِمَ ثُمَّ تُلْقِيَ جَنِينَهَا مَيِّتًا وَتَمُوتَ بَعْدَهُ، فَعَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ لَا يَضْمَنُهَا وَلَا يَضْمَنُ جَنِينَهَا، اعْتِبَارًا بِوَقْتِ الْجِنَايَةِ أَنَّهَا كَانَتْ غَيْرَ مَضْمُونَةٍ، وَعَلَى مَذْهَبِ الْمُزَنِيِّ يَضْمَنُ جَنِينَهَا وَلَا يَضْمَنُ نَفْسَهَا، لِأَنَّهُ يَعْتَبِرُ جَنِينَهَا بِوَقْتِ الْوِلَادَةِ وَقَدْ صَارَتْ مَضْمُونَةً، وَتُعْتَبَرُ نَفْسُهَا بِوَقْتِ الْجِنَايَةِ وَقَدْ كَانَتْ غَيْرَ مَضْمُونَةٍ، فَإِنْ قِيلَ: فَكَيْفَ يَضْمَنُ الْجِنَايَةَ عِنْدَ سِرَايَتِهَا فِي الْجَنِينِ إِذَا كَانَتْ هَدَرًا فِي الِابْتِدَاءِ.
قِيلَ: لِأَنَّ الْجِنَايَةَ عَلَى الْجَنِينِ لَا تَكُونُ إِلَّا بِالسِّرَايَةِ إِلَيْهِ دُونَ الْمُبَاشَرَةِ فَصَارَتِ السِّرَايَةُ كَالْمُبَاشَرَةِ فِي غَيْرِهِ وَهُوَ مُقْتَضَى تَعْلِيلِ الْمُزَنِيِّ وَإِنْ كَانَ بَعِيدًا.
وَلَوِ ارْتَدَّتْ حَامِلٌ فَضَرَبَ بَطْنَهَا ثُمَّ أَسْلَمَتْ فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا ثُمَّ مَاتَتْ ضَمِنَ جَنِينَهَا وَلَمْ يَضْمَنْ نَفْسَهَا عَلَى الْمَذْهَبَيْنِ مَعًا بِخِلَافِ الْحَرْبِيَّةِ؛ لِأَنَّ جَنِينَ الْمُرْتَدَّةِ مَضْمُونٌ لَا يَجْرِي عَلَيْهِ حُكْمُ الرِّدَّةِ بِخِلَافِ أُمِّهِ وَجَنِينُ الْحَرْبِيَّةِ كَأُمِّهِ.
وَإِذَا ضَرَبَ بَطْنَ أَمَةٍ حَامِلٍ لِمَمْلُوكٍ فَأَعْتَقَهَا السَّيِّدُ ثُمَّ أَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا فَفِيهِ عَلَى الضَّارِبِ غُرَّةٌ عَبْدٌ أَوْ أَمَةٌ لِاسْتِقْرَارِ الْجِنَايَةِ فِيهِ بَعْدَ حُرِّيَّتِهِ، وَلِلسَّيِّدِ مِنْهَا أَقَلُّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ عُشْرِ قِيمَةِ أُمِّهِ أَوْ مِنَ الْغُرَّةِ كَمَا لَوْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ وَقَدْ جَنَى عَلَيْهِ كَانَ لِلسَّيِّدِ أَقَلُّ الْأَمْرَيْنِ مِنْ قِيمَتِهِ أَوْ دِيَتِهِ، فَإِنْ كَانَتِ الْغُرَّةُ أَقَلَّ أَخَذَهَا وَلَا شَيْءَ لِوَارِثِ الْجَنِينِ وَإِنْ كَانَتْ عُشْرَ قِيمَتِهَا أَقَلَّ أَخَذَهَا مِنْ قِيمَةِ الْغُرَّةِ، وَكَانَ بَاقِي الْغُرَّةِ لِوَارِثِ الْجَنِينِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ مُنَاسِبٌ عَادَ إِلَى السَّيِّدِ وَارِثًا بِالْوَلَاءِ.
وَإِذَا وَطِئَ الْحُرُّ أَمَةَ غَيْرِهِ بشبهة [وأتت بولد] كَانَ وَلَدُهُ مِنْهَا حُرًّا، وَعَلَيْهِ قِيمَتُهُ يَوْمَ وُلِدَ لِلسَّيِّدِ، وَلِأَنَّهُ اسْتَهْلَكَ رِقَّهُ عَلَيْهِ بِشُبْهَةٍ، فَإِنْ أَلْقَتْهُ مَيِّتًا فَلَا شَيْءَ عَلَى الْوَاطِئِ تَغْلِيبًا لِاسْتِهْلَاكِهِ بِالْمَوْتِ، فَلَوْ ضَرَبَ ضَارِبٌ بَطْنَهَا فَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا كَانَ مَضْمُونًا عَلَى الضَّارِبِ بغرة عبد أو أمة للواطئ صار مَضْمُونًا عَلَى الْوَاطِئِ بِعُشْرِ قِيمَةِ أُمِّهِ لِلسَّيِّدِ، أَمَّا الْغُرَّةُ فَإِنَّمَا وَجَبَتْ فِيهِ لِأَنَّهُ حُرٌّ فَكَانَتْ لِأَبِيهِ الْوَاطِئِ دُونَ السَّيِّدِ، وَصَارَ الْوَاطِئُ مستهلكاً لرقه على السيد، ولولائه لأخذ مِنَ الْجَانِي عُشْرَ قِيمَةِ أُمِّهِ فَضَمِنَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute