للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِمَّا أَنْ يَكُونَ مُظْهِرًا لِكُفْرِهِ كَأَهْلِ الذِّمَّةِ وَالْمُعَاهَدِينَ، فَصَلَاةُ مَنِ ائْتَمَّ بِهِ بَاطِلَةٌ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْفُقَهَاءِ كَافَّةً، وَقَالَ الْمُزَنِيُّ صَلَاتُهُ جَائِزَةٌ كَالْمُصَلِّي خَلْفَ جُنُبٍ، وَهَذَا غَلَطٌ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْكَافِرَ مَعَهُ عِلْمٌ ظاهر يدل على كفره، لأنه يوجد لا يدين بلبس الغيار، وشد الزُّنَّارِ، وَتَغْيِيرِ الْهَيْئَةِ، فَإِذَا خَفِيَ عَلَيْهِ فَلِتَفْرِيطِهِ وَقِلَّةِ تَأَمُّلِهِ

وَالثَّانِي: أَنَّ إِمَامَةَ الْكَافِرِ مَعَ الْعِلْمِ بِحَالِهِ لَا تَجُوزُ بِحَالٍ، وَإِمَامَةُ الْجُنُبِ قَدْ تَجُوزُ بِحَالٍ، وَهُوَ الْمُتَيَمِّمُ إِذَا صَلَّى بِالْمُتَطَهِّرِ، لِأَنَّ التَّيَمُّمَ لَا يَرْفَعُ الْحَدَثَ وَكَذَلِكَ لَوْ أَجْنَبَ جَمَاعَةٌ وَلَا يَجِدُونَ مَاءً وَلَا تُرَابًا وَخَافُوا فَوَاتَ الْوَقْتِ جَازَ أَنْ يَأْتَمُّوا بِأَحَدِهِمْ مَعَ الْعِلْمِ بِجَنَابَتِهِ، فَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ وجب اختلاف حكمهما في الإتمام بهما، وبطلت صلات مَنِ ائْتَمَّ بِالْكَافِرِ مِنْهُمَا

وَإِنْ كَانَ مُسْتَتِرًا بِكُفْرِهِ كَالزَّنَادِقَةِ، فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَعَامَّةِ أَصْحَابِنَا وُجُوبُ الْإِعَادَةِ عَلَى مَنِ ائْتَمَّ بِهِ

وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا لَا إِعَادَةَ عَلَيْهِ لِزَوَالِ الْعِلْمِ الدَّالِّ عَلَى كُفْرِهِ، وَهَذَا غَلَطٌ لِمَا ذَكَرْنَاهُ مِنْ بُطْلَانِ إِمَامَةِ الْكَافِرِ بِكُلِّ حَالٍ، فَلَوِ ائْتَمَّ بِمَنْ لَا يُعْرَفُ بِالْكُفْرِ وَلَا بِالْإِسْلَامِ فَصَلَاتُهُ جَائِزَةٌ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنَ الدَّارِ إِسْلَامُ أَهْلِهَا إِلَّا أَنْ يُخْبِرَهُ بِكُفْرِهِ مَنْ يَسْكُنُ إِلَيْهِ وثيق بِهِ فَيُعِيدُ صَلَاتَهُ، فَلَوِ ائْتَمَّ بِمُرْتَدٍّ يَظُنُّهُ مُسْلِمًا فَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ فَلَوْ شَكَّ فِي إِسْلَامِهِ بَعْدَ تَقَدُّمِ رِدَّتِهِ لَمْ تَسْقُطْ عَنْهُ الْإِعَادَةُ اعْتِبَارًا بِالْيَقِينِ، فَلَوِ ائْتَمَّ بِرَجُلٍ كَانَتْ لَهُ حَالَانِ: حَالُ رِدَّةٍ وَحَالُ إِسْلَامٍ، وَأَشْكَلَ عَلَيْهِ فِي أَيِّ الْحَالَيْنِ أَمَّهُ

قَالَ الشَّافِعِيُّ: " أُحِبُّ أَنْ يُعِيدَ " وَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْإِعَادَةُ، لِأَنَّ ثُبُوتَ الْإِسْلَامِ لَهُ فِي الْحَالِ يَرْفَعُ حُكْمَ رِدَّتِهِ، وَيَدُلُّ فِي الظَّاهِرِ عَلَى صِحَّةِ إِمَامَتِهِ، وَلَوْ أَنَّ كَافِرًا أَسْلَمَ ثُمَّ جَحَدَ إِسْلَامَهُ وَقَدِ ائْتَمَّ بِهِ مُسْلِمُونَ. فَمَنِ ائْتَمَّ بِهِ مِنْهُمْ بَعْدَ إِسْلَامِهِ وَقَبْلَ جُحُودِهِ فَصَلَاتُهُ جَائِزَةٌ؛ لِأَنَّهُ مُسْلِمٌ فِي الظَّاهِرِ، وَمَنِ ائْتَمَّ بِهِ بَعْدَ جُحُودِهِ فَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ لِأَنَّهُ بِالْجُحُودِ مُرْتَدٌّ

[(مسألة)]

: قال الشافعي رضي الله عنه: " وَمَنْ أَحْرَمَ فِي مَسْجِدٍ أَوْ غَيْرِهِ ثُمَّ جَاءَ الْإِمَامُ فَتَقَدَّمَ بِجَمَاعَةٍ فَأَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يُكْمِلَ رَكْعَتَيْنِ وَيُسَلِّمَ يَكُونَانِ لَهُ نَافِلَةً وَيَبْتَدِئُ الصَّلَاةَ مَعَهُ وَكَرِهْتُ لَهُ أَنْ يَفْتَتِحَهَا صَلَاةَ انفرادٍ ثم يجعلها صلاة جماعةٍ وهذا يخالف صلاة الذين افتتح بهم النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الصلاة ثم ذكر فانصرف فاغتسل ثم رجع فأمهم لأنهم افتتحوا الصلاة جماعةً وقال في القديم قال قائل يدخل مع الإمام ويعتد بما مضى (قال المزني) هذا عندي على أصله أقيس لأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لم يكن في صلاةٍ فلم يضرهم وصح إحرامهم ولا إمام لهم ثم ابتدأ بهم وقد سبقوه بالإحرام وكذلك سبقه أبو بكر ببعض الصلاة ثم جاء فأحرم وائتم به أبو بكر وهكذا القول بهذين الحديثين وهو القياس عندي على فعله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - "

<<  <  ج: ص:  >  >>