[مسألة]
قال الشافعي: " ولو اجْتَمَعَ إِسْلَامُهُنَّ وَإِسْلَامُهُ وَهُنَّ إماءٌ ثُمَّ أُعْتِقْنَ مِنْ سَاعَتِهِنَّ ثُمَّ اخْتَرْنَ فِرَاقَهُ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ لَهُنَّ إِذَا أَتَى عَلَيْهِنَّ أَقَلُّ أَوْقَاتِ الدُّنْيَا وَإِسْلَامُهُنَّ وَإِسْلَامُهُ مجتمعٌ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَصُورَتُهَا فِي عَبْدٍ تَزَوَّجَ فِي الشِّرْكِ بِأَرْبَعِ زَوْجَاتٍ إِمَاءٍ وَأَسْلَمَ وَأَسْلَمْنَ مَعَهُ ثُمَّ أُعْتِقَ الْإِمَاءَ فلهن الخيار بالعتق بين المقام أو الفسخ، وَفِي مُدَّةِ خِيَارِهِنَّ ثَلَاثَةُ أَقَاوِيلَ:
أَحَدُهَا: وَهُوَ أصح أنه على الفور معتبر بالإمكان فمتى أمكنهن تعجيل الفسخ، فأخرته بعد المكنة زماناً، وإن قبل بطل خيارهن، لأنه خيار استحقته لِنَقْصِ الزَّوْجِ بِالرِّقِّ عَمَّا حَدَثَ مِنْ كَمَالِهِنَّ بالحرية، فجرى مجرى خيار الرد بالعيوب واستحقاقه على الفور.
والقول الثاني: أنه ممتد الزمان إِلَى ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ كَالْخِيَارِ فِي الْمُصَرَّاةِ.
وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ بَاقٍ لَهُنَّ، وَإِنْ تَطَاوَلَ بِهِنَّ الزمان ما لم تمكن من أنفسهن أو يصرحن بالرضى اعتباراً بأن ما لا يخالف حالهن في الفسخ فهم بَاقِيَاتٌ عَلَى حُكْمِهِ.
فَأَمَّا الْمُزَنِيُّ فَإِنَّهُ اعْتَرَضَ عَلَى الشَّافِعِيِّ فِيمَا ذَكَرَهُ مِنِ اسْتِحْقَاقِ الْخِيَارِ عَلَى الْفَوْرِ بِثَلَاثَةِ فُصُولٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ حُكِيَ عنه بخلاف فقال: قَطَعَ فِي كِتَابَيْنِ بِأَنَّ لَهَا الْخِيَارَ، وَهَذَا الِاعْتِرَاضُ لَيْسَ بِشَيْءٍ، لِأَنَّ قَوْلَ الشَّافِعِيِّ فِي مُدَّةِ الْخِيَارِ مُخْتَلِفٌ، وَإِنَّمَا ذَكَرَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ أَصَحَّ أَقَاوِيلِهِ عِنْدَهُ.
وَالْفَصْلُ الثَّانِي: احْتَجَّ فِيهِ عَلَى أَنَّ الْخِيَارَ عَلَى التَّرَاخِي دُونَ الْفَوْرِ، بِأَنَّ الشَّافِعِيَّ قَالَ: وَإِنْ أَصَابَهَا فَادَّعَتْ أنها كانت على حقها وهذا على ضربين:
أحدهما: أن يدعى الجهالة بالعتق.
والثاني: أن يدعي الْجَهَالَةَ بِالْحُكْمِ.
فَأَمَّا إِذَا ادَّعَتِ الْجَهَالَةَ بِالْعِتْقِ أو قَالَتْ: مَكَّنْتُهُ مِنْ نَفْسِي وَلَمْ أَعْلَمْ، بِعِتْقِي فَإِنْ عُلِمَ صِدْقُهَا قُبِلَ قَوْلُهَا، وَإِنْ عُلِمَ كَذِبُهَا رُدَّ قَوْلُهَا، وَإِنْ جُوِّزَ الْأَمْرَانِ فَالْقَوْلُ قَوْلُهَا مَعَ يَمِينِهَا إِنْ كَذَبَتْ وَهِيَ عَلَى حَقِّهَا مِنَ الْخِيَارِ، وَأَمَّا إِذَا ادَّعَتِ الْجَهَالَةَ بِالْحُكْمِ بِأَنْ قَالَتْ مَكَّنْتُهُ مِنْ نَفْسِي مَعَ الْعِلْمِ بِعِتْقِي، وَلَكِنْ لَمْ أَعْلَمْ أَنَّ لِيَ الخيار إذا أعتقت وَأَمْكَنَ مَا قَالَتْ فَفِيهِ قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَا خِيَارَ لَهَا، وَإِنْ لَمْ تَعْلَمْ؛ لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ يُمْكِنُهَا أَنْ تَسْتَعْلِمَ كَمَا لَا خيار في رد العيب إِذَا أَمْسَكَتْ عَنْهُ جَهْلًا بِاسْتِحْقَاقِ رَدِّهِ.
وَالْقَوْلُ الثاني: لها الخيار: ولأنه قد يخفى إلا على خواص النَّاسِ وَلَيْسَ كَالرَّدِّ بِالْعَيْبِ الَّذِي يَعْرِفُهُ الْخَاصَّةُ وَالْعَامَّةُ، وَفِي هَذَا التَّفْصِيلِ جَوَابٌ عَلَى احْتِجَاجِ المزني به.
وَالْفَصْلُ الثَّالِثُ: أَنْ عَارَضَ الشَّافِعِيَّ فِي عِبَارَتِهِ وَهِيَ قَوْلُهُ: " لَمْ يَكُنْ لَهَا الْخِيَارُ إِذَا أثنى عَلَيْهِنَّ أَقَلَّ أَوْقَاتِ الدُّنْيَا " فَأَفْسَدَ هَذِهِ الْعَبَّارَةَ وأحالها من وجهين: