للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

(وَفَارَقَتْكَ بِدَيْنٍ لَا فَكَاكَ لَهُ ... يَوْمَ الْوَدَاعِ فأنسى الدين قَدْ غَلِقَا)

وَرَوَى الشَّافِعِيُّ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: الرَّهْنُ يُرْكَبُ بِنَفَقَتِهِ إِذَا كَانَ مَرْهُونًا وَلَبَنُ الدَّرِّ يُشْرَبُ بِنَفَقَتِهِ إِذَا كَانَ مَرْهُونًا وَعَلَى الَّذِي يَرْكَبُ وَيَقْرَبُ النَّفَقَةُ.

وَرَوَى الشَّافِعِيُّ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: رَهَنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - دِرْعَهُ عِنْدَ أَبِي الشَّحْمِ الْيَهُودِيِّ وَاخْتَلَفَ النَّاسُ هَلْ مَاتَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَبْلَ فَكَاكِهِ؟ فَقَالَ قَوْمٌ: افْتَكَّهُ قَبْلَ مَوْتِهِ لأنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - يَقُولُ: نَفْسُ الْمُؤْمِنِ مُعَلَّقَةٌ بِدَيْنِهِ حَتَّى يُقْضَى وَهَذِهِ صِفَةٌ تَنْتَفِي عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.

وَقَالَ آخَرُونَ وَهُوَ الصَّحِيحُ: أَنَّهُ مَاتَ قَبْلَ فَكَاكِهِ لِرِوَايَةِ عِكْرِمَةَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَدِرْعُهُ مَرْهُونَةٌ عِنْدَ رَجُلٍ مِنَ الْيَهُودِ بِثَلَاثِينَ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ قَوْلُهُ: نَفْسُ الْمُؤْمِنِ مُعَلَّقَةٌ بِدَيْنِهِ حَتَّى يُقْضَى مَحْمُولًا عَلَى مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَتْرُكْ وَفَاءً.

(فَصْلٌ)

وَإِذَا ثَبَتَ جَوَازُ الرَّهْنِ بِمَا ذَكَرْنَا مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَهُوَ إِذَا تَمَّ مِنَ الْعُقُودِ اللَّازِمَةِ مِنْ أَحَدِ الْمُتَعَاقِدَيْنِ دُونَ الْآخَرِ فَيَكُونُ لَازِمًا مِنْ جِهَةِ الرَّاهِنِ دُونَ الْمُرْتَهِنِ فَإِنْ رَامَ الرَّاهِنُ فَسْخَهُ قَبْلَ فَكَاكِهِ لَمْ يَكُنْ لَهُ، وَلَوْ طَلَبَ الْمُرْتَهِنُ ذَلِكَ كَانَ لَهُ، لِأَنَّهُ وَثِيقَةٌ لِلْمُرْتَهِنِ عَلَى الرَّاهِنِ وَأَصْلُ الرَّهْنِ فِي اللُّغَةِ: هُوَ الِاحْتِبَاسُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} [المدثر: ٣٨] أَيْ مُحْتَبَسَةٌ. وَقَالَ الأعشى:

(فهل يمنعني ارتيادي البلاد ... مِنْ حَذَرِ الْمَوْتِ أَنْ يَأْتِيَنْ)

(عَلَيَّ رَقِيبٌ لَهُ حَافِظٌ ... فَقُلْ فِي امْرِئٍ غَلِقٍ مُرْتَهِنْ)

فَإِذَا تَمَهَّدَ مَا ذَكَرْنَا. فَالرَّهْنُ عِنْدَنَا يَجُوزُ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ، وَعِنْدَ وُجُودِ الْكَاتِبِ وَعَدَمِهِ، وَبِهِ قَالَ فُقَهَاءُ الْأَمْصَارِ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَدَاوُدُ: لَا يَجُوزُ فِي الْحَضَرِ وَلَا مَعَ وُجُودِ

<<  <  ج: ص:  >  >>