وَالْقَوْلُ الثَّانِي: قَالَهُ فِي الْجَدِيدِ، وَهُوَ مَذْهَبُ أبي حنيفة: إِنَّ مِنَ السُّنَّةِ أَنْ يُسَلِّمَ تَسْلِيمَتَيْنِ إِحْدَاهُمَا عَنْ يَمِينِهِ، وَالثَّانِيَةُ عَنْ يَسَارِهِ، وَبِهِ قَالَ أَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَلِرِوَايَةِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ وَسَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، وَجَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ يَسَارِهِ، وَهَذَا أَوْلَى لِكَثْرَةِ رُوَاتِهِ، وَقَدْ رَوَى عَمَّارُ بْنُ أَبِي عَمَّارٍ قَالَ: كَانَ مَشْيَخَةُ الْمُهَاجِرِينَ يُسَلِّمُونَ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً، وَمَشْيَخَةُ الْأَنْصَارِ يُسَلِّمُونَ تَسْلِيمَتَيْنِ، وَالْأَخْذُ بفعل الأنصار أولى لتأخرهم فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَالْوَاجِبُ مِنْهُمَا تَسْلِيمَةٌ وَاحِدَةٌ لَا يُخْتَلَفُ فِيهَا. فَلَوِ اقْتَصَرَ عَلَيْهَا أَجْزَأَتْهُ صَلَاتُهُ، وَإِنَّمَا الْكَلَامُ فِي التَّسْلِيمَةِ الثَّانِيَةِ هَلْ هِيَ مَسْنُونَةٌ أَوْ لَا فَأَصَحُّ الْقَوْلَيْنِ أَنَّهَا سُنَّةٌ، فَعَلَى هَذَا لَوْ تَرَكَهَا الْإِمَامُ وَاقْتَصَرَ عَلَى تَسْلِيمَةٍ وَاحِدَةٍ أَجْزَأَهُ وَيَأْتِي الْمَأْمُومُ بِالثَّانِيَةِ، لِأَنَّهُ مِنْ سُنَنِ صَلَاتِهِ وَهُوَ بِسَلَامِ الْإِمَامِ قَدْ خَرَجَ مِنْ إِمَامَتِهِ فَكَانَ مَأْمُورًا بِهَا كَمَا لَوْ قَالَهَا الْإِمَامُ
(فَصْلٌ)
: وَأَمَّا الْفَصْلُ الثَّانِي فِي صِفَةِ السَّلَامِ وَكَيْفِيَّتِهِ، فَالْأَكْمَلُ الْمَسْنُونُ أَنْ يَقُولَ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ لِرِوَايَةِ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ، وَعَنْ يَسَارِهِ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ
وَأَمَّا الْقَدْرُ الْوَاجِبُ مِنْهُ فَهُوَ قَوْلُهُ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، فَأَمَّا قَوْلُهُ: " وَرَحْمَةُ اللَّهِ " فَمَسْنُونٌ وَلَيْسَ بِوَاجِبٍ لِصِحَّةِ الْخُرُوجِ مِنَ الصَّلَاةِ بِقَوْلِهِ: " السَّلَامُ عَلَيْكُمْ " وَإِنْ أَسْقَطَ مِنَ السَّلَامِ الْأَلِفَ وَاللَّامَ وَاسْتَبْدَلَ بِهَا التَّنْوِينَ فَقَالَ سَلَامٌ مِنِّي عَلَيْكُمْ فَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: لَا يُجْزِئُهُ لِنَقْصِهِ عَمَّا وَرَدَتِ الْأَخْبَارُ بِهِ
وَالثَّانِي: يُجْزِئُهُ، لِأَنَّ التَّنْوِينَ بَدَلٌ مِنَ الْأَلِفِ وَاللَّامِ وَلِذَلِكَ لَمْ يَجْتَمِعَا فِي الْكَلَامِ
وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، فَأَمَّا إِنْ قَالَ عَلَيْكُمُ السَّلَامُ فَقَدَّمَ وَأَخَّرَ فَقَدْ قَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْقَدِيمِ: " كَرِهْنَا ذَلِكَ وَلَا إِعَادَةَ عَلَيْهِ " وَقَالَ: فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: " لَا يُجْزِئُهُ " فَخَرَّجَهُ أَصْحَابُنَا عَلَى قَوْلَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: يُجْزِئُهُ، لِأَنَّهُ قَدِ اسْتَوْفَى لَفْظَ السَّلَامِ وَإِنْ لَمْ يُرَتِّبْ
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: لَا يُجْزِئُهُ، لِأَنَّهُ بِخِلَافِ الْمَشْرُوعِ مِنْهُ، وَيُحْمَلُ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي الْقَدِيمِ " لَا إِعَادَةَ عَلَيْهِ " عَلَى أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَفْسُدُ بِهِ
: وَأَمَّا الْفَصْلُ الثَّالِثُ فَهُوَ وُجُوبُ النِّيَّةِ فِي السَّلَامِ فَالظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ الشافعي،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute