وَسَوَاءٌ كَانَتِ الْبَاطِشَةُ فِي اسْتِوَاءِ الذِّرَاعِ أَوْ مُنْحَرِفَةً عَنْهُ، لِأَنَّنَا نَسْتَدِلُّ عَلَى الْأَصْلِ بِمَنَافِعِهِ كَمَا نَسْتَدِلُّ عَلَى الْخُنْثَى الْمُشْكِلِ بِبَوْلِهِ، فَإِنْ قُطِعَتِ الزَّائِدَةُ فَصَارَتِ الْبَاطِشَةُ غَيْرَ بَاطِشَةٍ لَزِمَ دِيَتَهَا كَامِلَةً مَعَ حُكُومَةِ الزَّائِدَةِ، وَيَقُومُ ذَهَابُ بَطْشِهَا مَقَامَ الشَّلَلِ، وَلَوْ قُطِعَتِ الْبَاطِشَةُ فَحُكِمَ فِيهَا بِالْقَوَدِ أَوْ كَمَالِ الدِّيَةِ ثُمَّ صَارَتْ غَيْرُ الْبَاطِشَةِ بَاطِشَةً وَجَبَ فِيهَا كَمَالُ الدِّيَةِ إِنْ قُطِعَتْ، لِأَنَّهَا يَدٌ بَاطِشَةٌ، وَيَجِيءُ فِي رَدِّ مَا أَخَذَهُ مِنَ الْأَوَّلِ مِنْ كَمَالِ الدِّيَةِ وَجْهَانِ مُخَرَّجَانِ مِنِ اخْتِلَافِ قَوْلَيْهِ فِي الْمَثْغُورِ إِذَا أَخَذَ دِيَةَ سِنِّهِ فَعَادَتْ:
أَحَدُهُمَا: لَا يَرُدُّ مِنْ كَمَالِ دِيَتِهَا شَيْئًا وَتَكُونُ هَذِهِ قُوَّةً أَحْدَثَهَا اللَّهُ تَعَالَى بِهِ.
وَالثَّانِي: يَرُدُّ مَا زَادَ عَلَى قَدْرِ حُكُومَتِهَا مِنْ كَمَالِ الدِّيَةِ، لِأَنَّ الْبَطْشَ قَدِ انْتَقَلَ إِلَى الْبَاقِيَةِ فَلَمْ يَسْلُبْهُ الْأَوَّلُ بَطْشَهُ وَبَقَاءُ الْبَطْشِ يَمْنَعُ مِنْ كَمَالِ الدِّيَةِ.
(فَصْلٌ)
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ يَكُونَ بَاطِشًا بِهِمَا جَمِيعًا فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ بَطْشُهُ بِإِحْدَاهُمَا أَكْثَرَ مِنَ الْأُخْرَى، فَأَكْثَرُهُمَا بَطْشًا هِيَ الْأَصْلُ يَجِبُ فِيهَا الْقَوَدُ أَوْ كَمَالُ الدِّيَةِ وَأَقَلُّهُمَا بَطْشًا هِيَ الزَّائِدَةُ لَا قَوَدَ فِيهَا وَفِيهَا حُكُومَةٌ، كَمَا يُسْتَدَلُّ فِي إِشْكَالِ الْخُنْثَى بِقُوَّةِ بَوْلِهِ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَسْتَوِيَ بَطْشُهُ بِهِمَا فَيَسْقُطُ الِاسْتِدْلَالُ بِالْبَطْشِ لِتَكَافُئِهِ وَيُعْدَلُ إِلَى غَيْرِهِ، كَمَا إِذَا سَقَطَ الِاسْتِدْلَالُ فِي الْخُنْثَى بِالْبَوْلِ عِنْدَ التَّسَاوِي عُدِلَ إِلَى غَيْرِهِ مِنَ الْأَمَارَاتِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَخْلُ حَالُهُمَا مِنْ أَنْ يَسْتَوِيَا فِي الْقَدْرِ أَوْ يَخْتَلِفَا، فَإِنِ اخْتَلَفَا فَكَانَتْ إِحْدَى الْكَفَّيْنِ أَكْبَرَ مِنَ الْأُخْرَى فَالْكَبِيرَةُ هِيَ الْأَصْلُ تَكْمُلُ فِيهَا الدِّيَةُ، وَالصَّغِيرَةُ هِيَ الزَّائِدَةُ يَجِبُ فِيهَا حُكُومَةٌ، فَإِنِ اسْتَوَيَا فِي الْقَدْرِ وَلَمْ تَزِدْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَعَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ تَكُونَ إِحْدَى الْكَفَّيْنِ فِي اسْتِوَاءِ الذِّرَاعِ وَالْأُخْرَى عَادِلَةً عَنْهُ، فَتَكُونُ الَّتِي فِي اسْتِوَاءِ الذِّرَاعِ هِيَ الْأَصْلُ تَكْمُلُ فِيهَا الدِّيَةُ وَالْخَارِجَةُ عَنِ اسْتِوَائِهِ زَائِدَةً يَجِبُ فِيهَا حُكُومَةٌ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَسْتَوِيَا فِي مَخْرَجِ الذِّرَاعِ، فَإِنْ كَانَتْ إِحْدَاهُمَا كَامِلَةَ الْأَصَابِعِ وَالْأُخْرَى نَاقِصَةً فَذَاتُ الْكَمَالِ هِيَ الْأَصْلُ وَذَاتُ النَّقْصِ هِيَ الزَّائِدَةُ، وَلَوْ كَانَتْ إِحْدَاهُمَا كَامِلَةَ الْأَصَابِعِ وَالْأُخْرَى زَائِدَةَ الْأَصَابِعِ لَمْ يَكُنْ فِي الزِّيَادَةِ مَعَ الْكَمَالِ دَلِيلٌ، وَإِنْ كَانَ فِي الْكَمَالِ مَعَ النُّقْصَانِ دَلِيلٌ؛ لِأَنَّ الزِّيَادَةَ نَقْصٌ فَلَمْ يُسْتَدَلَّ بِهَا عَلَى أَصْلٍ، فَإِذَا عُدِمَتِ الْأَمَارَاتُ الدَّالَّةُ عَلَى تَمَيُّزِ الْأَصْلِ مِنَ الزِّيَادَةِ وَاعْتَدَلَتْ فِي الْكَفَّيْنِ مَعًا فَهُمَا يَدَانِ زَائِدَتَانِ إِنْ قَطَعَهُمَا قَاطِعٌ كَانَ عَلَيْهِ الْقَوَدُ وَحُكُومَةٌ فِي الزِّيَادَةِ، وَإِنْ قَطَعَ إِحْدَاهُمَا فَلَا قَوَدَ عَلَيْهِ لِعَدَمِ الْمُمَاثَلَةِ، وَعَلَيْهِ نِصْفُ دِيَةِ يَدٍ وَزِيَادَةُ حُكُومَةٍ، لِأَنَّهَا نِصْفُ يَدٍ زَائِدَةٍ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute