(فَصْلٌ)
وَالشَّرْطُ الثَّالِثُ: الْإِسْلَامُ فِي الْوَلَدِ الْمُسْلِمِ فَإِنْ كَانَ أَحَدُ أَبَوَيْهِ كَافِرًا سَقَطَتْ كَفَالَتُهُ بِكُفْرِهِ وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيُّ لَا تَبْطُلُ كفالته يكفره وَحَكَاهُ ابْنُ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ اسْتِدْلَالًا بِرِوَايَةِ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ جَعْفَرٍ قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي عَنْ رَافِعِ بْنِ سِنَانٍ: أَنَّهُ أَسْلَمَ وَأَبَتِ امْرَأَتُهُ أَنْ تُسْلِمَ فَأَتَتِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَتْ: ابْنَتِي، وَقَالَ رَافِعُ ابْنَتِي فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لِرَافِعٍ: " اقْعُدُ نَاحِيَةً " وَلَهَا: " اقْعُدِي نَاحِيَةً " وَأَقْعَدَ الصَّبِيَّةَ بَيْنَهُمَا وَقَالَ: ادْعُوَاهَا، فَمَالَتْ إِلَى أُمِّهَا، فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: اللَّهُمَّ اهْدِهَا، فَمَالَتْ إِلَى أَبِيهَا فَأَخَذَهَا.
فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الْكُفْرَ لَا يُسْقِطُ الْكَفَالَةَ.
قَالُوا: وَلِأَنَّ الْكَافِرَ مُتَدَيِّنٌ بِاعْتِقَادِهِ فَكَانَ مَأْمُونًا عَلَى وَلَدِهِ وَهَذَا خَطَأٌ؛ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا} [النساء: ١٤١] وَلِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: أَنَا بَرِئٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ مَعَ مُشْرِكٍ، وَلِأَنَّ افْتِرَاقَ الْأَدْيَانِ يَمْنَعُ مِنْ ثُبُوتِ الْوِلَايَةِ كَمَا يَمْنَعُ مِنْهَا عَلَى الْمَالِ، وَفِي النِّكَاحِ وِلَايَةٌ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَفْتِنَهُ عَنْ دِينِهِ وَرُبَّمَا أَلِفَ مِنْ كُفْرِهَا مَا يَتَعَذَّرُ انْتِقَالُهُ عَنْهُ بَعْدَ بُلُوغِهِ.
فَأَمَّا الِاسْتِدْلَالُ بِالْخَبَرِ، فَهُوَ ضَعِيفٌ عِنْدَ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ وَلَوْ صَحَّ لَكَانَ الْجَوَابُ عَنْهُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّ الْمَقْصُودَ بِهِ ظهور المعجزة باستحبابه دَعَوْتِهِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهَا كَانَتْ فَطِيمًا، وَالْفَطِيمُ لَا يُخَيَّرُ.
وَالثَّالِثُ: أَنَّهُ دَعَا بِهِدَايَتِهَا إِلَى مُسْتَحِقِّ كَفَالَتِهَا لَا إِلَى الْإِسْلَامِ لِثُبُوتِ إِسْلَامِهَا بِإِسْلَامِ أبيها فلو كان للأم حق لأقرها علي، وَلَمَا دَعَا بِهِدَايَتِهَا إِلَى مُسْتَحِقِّهَا.
وَقَوْلُهُمْ: إِنَّ الْكَافِرَ مَأْمُونٌ عَلَى وَلَدِهِ.
قِيلَ: هُوَ وَإِنْ كَانَ مَأْمُونًا عَلَى بَدَنِهِ فَغَيْرُ مَأْمُونٍ عَلَى دِينِهِ، وَحَظُّهُ فِي الدِّينِ أَقْوَى، فَلَوْ أَسْلَمَ الْكَافِرُ مِنْهُمَا عَادَ إِلَى كَفَالَتِهِ، وَلَوِ ارْتَدَّ الْمُسْلِمُ سَقَطَتْ كَفَالَتُهُ.
وَالشَّرْطُ الرَّابِعُ: الْأَمَانَةُ بِوُجُودِ الْعَدَالَةِ، وَعَدَمِ الْفِسْقِ؛ لِأَنَّ الْعَدَالَةَ شَرْطٌ فِي اسْتِحْقَاقِ الْوِلَايَةِ فَكَانَتْ شَرْطًا فِي اسْتِحْقَاقِ الْكَفَالَةِ وَلِأَنَّ الْفَاسِقَ عَادِلٌ عَنْ صَلَاحِ نَفْسِهِ فَكَانَ بِأَنْ يَعْدِلَ عَنْ صَلَاحِ وَلَدِهِ أَشْبَهَ، وَلِأَنَّهُ رُبَّمَا اقْتَدَى الْوَلَدُ بِفَسَادِهِ لِاقْتِرَانِهِ بِهِ ونشوئه معه، والعدالة المعتبرة فيه عدالة الظاهرة الْمُعْتَبَرَةِ فِي وِلَايَةِ النِّكَاحِ، وَلَا يُرَاعَى عَدَالَةُ الْبَاطِنِ الْمُعْتَبَرَةُ فِي قَبُولِ الشَّهَادَةِ لِيَكُونَ بِعَدَالَةِ ظَاهِرِهِ مَأْمُونًا عَلَى وَلَدِهِ قَيِّمًا بِمَصَالِحِهِ فَلَوْ صَارَ بَعْدَ فِسْقِهِ عَدْلًا اسْتَحَقَّ الْكَفَالَةَ، وَلَوْ فَسَقَ بَعْدَ عَدَالَتِهِ خَرَجَ مِنَ الْكَفَالَةِ وَيَسْتَوِي فِيهِ الْأَبَوَانِ، فَلَوِ ادَّعَى أَحَدُهُمَا فِسْقَ صَاحِبِهِ لِيَنْفَرِدَ بِالْكَفَالَةِ مِنْ غَيْرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute