كَالنِّكَاحِ وَلِمَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ فِي أَنَّ الْأَجَلَ غَرَرٌ فَلَمَّا جَازَ السَّلَمُ مُؤَجَّلًا مَعَ مَا فِيهِ مِنَ الْغَرَرِ كَانَ حَالًا أَجْوَزُ لِأَنَّهُ مِنَ الْغَرَرِ أَبْعَدُ.
فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِلَى أَجَلٍ مَعْلُومٍ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى سَبَبِهِ الْمَنْقُولِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَهُمْ يُسْلِمُونَ فِي الثَّمَرِ السَّنَتَيْنِ وَالثَّلَاثَ فَقَالَ: مَنْ أَسْلَفَ فَلْيُسْلِفْ فِي كَيْلٍ معلوم ووزن معلوم وأجل معلوم.
فيكون تقرير ذَلِكَ فَمَنْ أَسْلَمَ فِي مَكِيلٍ فَلْيَكُنِ الْكَيْلُ مَعْلُومًا، وَمَنْ أَسْلَمَ فِي مَوْزُونٍ فَلْيَكُنِ الْوَزْنُ مَعْلُومًا وَمَنْ أَسْلَمَ فِي مُؤَجَّلٍ فَلْيَكُنِ الْأَجَلُ معلوما يدل على ذلك من الحديثان:
أَحَدُهُمَا: جَوَازُ السَّلَمِ فِيمَا لَيْسَ بِمَكِيلٍ وَلَا بِمَوْزُونٍ فِي الْعَدَدِ الْمَزْرُوعِ وَلَمْ يَكُنِ الْكَيْلُ وَالْوَزْنُ شَرْطًا فِي كُلِّ سَلَمٍ كَذَلِكَ يَجُوزُ فِي غَيْرِ الْمُؤَجَّلِ وَلَا يَكُونُ الْأَجَلُ شَرْطًا فِي كُلِّ سَلَمٍ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ الْحَدَّيْنِ الْكَيْلِ وَالْوَزْنِ وَاجْتِمَاعُهُمَا لَيْسَ بِشَرْطٍ كَذَلِكَ ضَمُّ الْأَجَلِ إِلَيْهِمَا لَيْسَ بِشَرْطٍ.
وَأَمَّا قَوْلُهُمْ إِنَّهُ أَحَدُ بَدَلَيِ السَّلَمِ فَكَانَ عَلَى جِهَةٍ وَاحِدَةٍ كَالثَّمَنِ فَلَا يَصِحُّ لِأَنَّهُ رَدَّ الْفَرْعَ إِلَى الْأَصْلِ لِأَنَّ الثَّمَنَ لَا يَدْخُلُهُ الْأَصْلُ.
وَالْمُرَادُ بِهَذَا الْقِيَاسِ أَنْ يُلْزِمَ فِي الْمُثَمَّنِ الْأَجَلَ وَهَذَا لَا يَصِحُّ ثُمَّ يَقُولُ الثَّمَنُ فِي السَّلَمِ فِي مُقَابَلَةِ الْمُثَمَّنِ فِي بُيُوعِ الْأَعْيَانِ لِاسْتِحْقَاقِ تَعْجِيلِهَا وَسُقُوطِ الْأَجَلِ فِيهَا ثُمَّ كَانَ مَا فِي مُقَابَلَةِ الْعَيْنِ مِنَ الْمُثَمَّنِ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مُؤَجَّلًا وَمُعَجَّلًا وَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَا فِي مُقَابَلَةِ الثَّمَنِ فِي السَّلَمِ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مُؤَجَّلًا وَمُعَجَّلًا وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الْإِجَارَةِ فَالْإِجَارَةُ عَلَى ضَرْبَيْنِ تَكُونُ الْمَنْفَعَةُ فِيهَا مُقَدَّرَةً بِغَيْرِ مُدَّةٍ فَهَذِهِ الْإِجَارَةُ تَجُوزُ حَالًا وَمُؤَجَّلَةً فَإِنْ رَدُّوهُ إِلَيْهَا لَمْ يَصِحَّ وَضَرْبٌ تَكُونُ الْمَنْفَعَةُ فِيهَا لَا تَتَقَدَّرُ إِلَّا بِالْمُدَّةِ فَلَا بُدَّ مِنْ شَرْطِ الْمُدَّةِ فِيهَا لِتَصِيرَ الْمَنْفَعَةُ مُقَدَّرَةٌ فِيهَا وَلَا يَصِحُّ رَدُّ السَّلَمِ إِلَيْهَا؛ لِأَنَّ السَّلَمَ لَمَّا تَقَدَّرَ بِغَيْرِ مُدَّةٍ لَمْ يَلْزَمْ فِيهِ اشْتِرَاطُ الْمُدَّةِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُمْ إِنَّ مَوْضُوعَ السَّلَمِ ارْتِفَاقُ الْمُتَعَاقِدَيْنِ بِهِ فِي إِسْقَاطِ الْأَجَلِ إِبْطَالُ مَوْضُوعِهِ فَهَذِهِ حُجَّةُ تُقْلَبُ عَلَيْهِمْ فَيُقَالُ لَمَّا كَانَ مَا وُضِعَ لَهُ السَّلَمُ مِنْ رِفْقِ الْمُشْتَرِي بِالِاسْتِرْخَاصِ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي صِحَّةِ السَّلَمِ حَتَّى لَوْ أَسْلَمَ دِينَارًا فِيمَا يُسَاوِي دِرْهَمًا جَازَ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَا وَضَعَ لَهُ مِنْ رِفْقِ الْبَائِعِ بِالْأَجَلِ لَيْسَ بِشَرْطٍ فِي صِحَّةِ السَّلَمِ وَلَوْ أَسْلَمَ حَالًا جَازَ وَأَمَّا قَوْلُهُمْ إِنَّهُ إِنَّمَا اخْتَصَّ بِاسْمِ السَّلَمِ لِاسْتِحْقَاقِ الْأَجَلِ فَدَعْوَى غَيْرِ مسلم بَلْ سُمِّي سَلَمًا لِاسْتِحْقَاقِ تَسْلِيمِ جَمِيعِ الثَّمَنِ.
فَصْلٌ:
فَإِذَا ثَبَتَ جَوَازُ السَّلَمِ حَالًا وَمُؤَجَّلًا فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا هَلِ الْأَصْلُ فِيهِ التَّأْجِيلُ أَوِ الْحُلُولُ رُخْصَةٌ أَوِ الْأَصْلُ فِيهِ الْحُلُولُ والتأجيل رخصة على ثلاثة أوجه:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute