للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنْ قِيلَ: أَفَلَيِسَ لَوْ كَانَ لَهُ أَخٌ يَرِثُهُ؟ فَأَقَرَّ بِابْنٍ يَحْجُبُ أَخَاهُ عَنِ الْمِيرَاثِ، ثَبَتَ نَسَبُهُ بِإِقْرَارِهِ. فَمَا الْفَرْقُ؟ قِيلَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مِنْ وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْمِيرَاثَ بِالْوَلَاءِ نَتِيجَةُ مِلْكٍ قَدْ تَفَرَّدَ بِهِ بِصِفَةٍ لَا يُشَارِكُهُ فِيهِ فَلَمْ يُقْبَلْ فِي دَفْعِهِ إِقْرَارٌ عَنْ مُشَارِكٍ فِيهِ. وَالْمِيرَاثُ بِالنَّسَبِ مُشْتَرَكٌ فَجَازَ أن يثبت بإقرار الشركين فِيهِ فَهَذَا حُكْمُ النَّسَبِ الْأَعْلَى.

فَأَمَّا دَعْوَى النَّسَبِ الْأَسْفَلِ: وَهُوَ أَنْ يَدَّعِيَ الْحَمِيلُ أَنَّ هَذَا الْمُعْتَقَ ابْنُهُ، فَيُصَدِّقَهُ عَلَى الْبُنُوَّةِ وَيُكَذِّبَهُ مُعْتِقُهُ، فَفِي ثُبُوتِ نَسَبِهِ وَجْهَانِ:

وَقَالَ ابْنُ أبي هريرة قَوْلَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: لَا يَثْبُتُ نَسَبُهُ مَعَ تَكْذِيبِ مُعْتِقِهِ، كَالنَّسَبِ الْأَعْلَى.

وَالثَّانِي: يَثْبُتُ نَسَبُهُ، وَإِنْ كَذَّبَهُ مُعْتِقُهُ، لِانْتِفَاءِ الضَّرَرِ عَنْهُ لِإِدْخَالِ وَلَدِهِ في الولاء مُعْتِقِهِ، الَّذِي لَا يَدْخُلُ فِيهِ أَهْلُ النَّسَبِ الْأَعْلَى، فَلِذَلِكَ لَا يَثْبُتُ الْإِقْرَارُ بِالنَّسَبِ الْأَسْفَلِ، وَإِنْ لَمْ يَثْبُتْ بِالنَّسَبِ الْأَعْلَى.

وَسُمِّيَ حَمِيلًا، لِأَنَّهُ يُحْمَلُ بِنَسَبٍ مَجْهُولٍ.

فَأَمَّا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ: " فَكَذَا أَهْلُ حِصْنٍ وَمَنْ يُحْمَلُ إِلَيْنَا مِنْهُمْ ". فَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ الرَّدَّ عَلَى طَائِفَةٍ، قَالُوا إِنَّ الْحَمِيلَ إِذَا كَانَ مِنْ بَلَدٍ كَبِيرٍ لَمْ تُقْبَلْ دَعْوَاهُ، لِتَمَكُّنِهِ مِنْ إِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ حِصْنٍ أَوْ دَيْرٍ فَتَثْبُتُ وَهُمَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ سَوَاءٌ، لِإِطْلَاقِ الْأَثَرِ وعموم التعليل.

[(مسألة)]

: قال الشافعي رضي الله عنه: " وَإِذَا أَسْلَمَ أَحَدُ أَبَوَيِ الطِّفْلِ أَوِ الْمَعْتُوهِ كان مسلما لأن الله عز وجل أعلى الإسلام على الأديان والأعلى أولى أن يكون الحكم له مع أنه رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ معنى قولنا ويروى عن الحسن وغيره ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ، فَإِنِ اجْتَمَعَ إِسْلَامُ الْأَبَوَيْنِ كَانَ إِسْلَامًا لِصِغَارِ أَوْلَادِهِمَا مَعَهُمَا يَكُونُ لِلْبَالِغِينَ الْعُقَلَاءِ وَهَذَا إِجْمَاعٌ فَأَمَّا إِذَا أَسْلَمَ أَحَدُ الْأَبَوَيْنِ فَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَأَكْثَرُ الْفُقَهَاءِ إِلَى أَنَّ إِسْلَامَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَكُونُ إِسْلَامًا لَهُمْ سَوَاءٌ كَانَ الْمُسْلِمُ مِنْهُمَا أَبًا، أَوْ أُمًّا.

وَقَالَ عَطَاءٌ: يَكُونُونَ مُسْلِمِينَ بِإِسْلَامِ الْأُمِّ دُونَ الْأَبِ، لِأَنَّهُ مِنَ الْأُمِّ قَطْعًا وَمِنَ الْأَبِ ظَنًّا.

وَقَالَ مَالِكٌ: يَكُونُ مُسْلِمًا بِإِسْلَامِ الْأَبِ دُونَ الْأُمِّ، لِرُجُوعِهِ فِي النَّسَبِ إِلَى أَبِيهِ احْتِجَاجًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ

<<  <  ج: ص:  >  >>