للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السُّوقِ، فَتَكُونُ حَوَانِيتُ سُوقِ الدَّقِيقِ حِرْزًا لِلدَّقِيقِ وَلَا تَكُونُ حِرْزًا لِلصَّيْدَلَةِ؛ لِأَنَّ أَبْوَابَهَا فِي العرف أضعف وأغلاقها أسهل، وحوانيت سوق الصَّيْدَلَةِ حِرْزًا لِلصَّيْدَلَةِ، وَلَا تَكُونُ حِرْزًا لِلْعِطْرِ؛ لِأَنَّ أَحْرَازَ الْعِطْرِ أَغْلَظُ وَأَصْعَبُ، وَأَغْلَاقَهَا أَشَدُّ، وَحَوَانِيتُ سُوقِ الْعِطْرِ حِرْزٌ لِلْعِطْرِ، وَلَا تَكُونُ حِرْزًا لِلْبَزِّ؛ لِأَنَّ أَحْرَازَ الْبَزِّ أَغْلَظُ، وَحَوَانِيتُ سُوقِ الْبَزِّ حِرْزٌ لِلْبَزِّ، وَلَا تَكُونُ حِرْزًا للصيارف في الفضة والذهب؛ لِأَنَّ حِرْزَ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ أَغْلَظُ، وَقَلَّ مَا أحرز الصيارف الفضة والذهب فِي حَوَانِيتِهِمْ إِلَّا مَعَ الْغَايَةِ فِي عَدْلِ السُّلْطَانِ وَأَمْنِ الزَّمَانِ، فَإِنِ انْتَهَى الزَّمَانُ إِلَى هذا الحال في عدله وأمته كانت حوانيتهم حرزاً لأموالهم والدراهم وَالدَّنَانِيرِ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ بِنَاؤُهَا مُحْكَمًا وَأَبْوَابُهَا وَثِيقَةً وَأَقْفَالُهَا صَعْبَةً، وَيَكُونُ عَلَى أَسْوَاقِهِمْ دُرُوبٌ، وَكَذَلِكَ أَسْوَاقُ الْبَزَّازِينَ إِذَا أَحْرَزُوا الْبَزَّ فِي حَوَانِيتِهِمْ، وَيَكُونُ فِيهَا مَعَ الدُّرُوبِ حُرَّاسٌ، وَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَبِيتَ فِي الْحَوَانِيتِ أَرْبَابُهَا لِخُرُوجِهِ عَنِ الْعُرْفِ، وَإِنْ كَانَ الزَّمَانُ مُنْتَشِرَ الْفَسَادِ قليل الأمن لم تكن حوانيت الصيارف والبزارين حِرْزًا لِأَمْوَالِهِمْ مِنَ الْفِضَّةِ وَالذَّهَبِ وَالْبَزِّ حَتَّى يَنْقُلُوهَا فِي اللَّيْلِ إِلَى مَسَاكِنِهِمْ أَوْ خَانَاتِهِمْ فَهَذَا حُكْمُ الْحَوَانِيتِ.

(فَصْلٌ)

وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي: وهو المساكن المستوطنة فتختلف في أحرازها بحسب اختلاف سكانها من الْيَسَارِ وَالْإِعْسَارِ، فَأَمَّا مَسَاكِنُ ذَوِي الْإِعْسَارِ فَأَخَفُّ أحرازاً؛ لأن متاع بيوتهم زهيد لَا يُرْغَبُ فِيهِ، فَإِنْ كَانَتْ أَبْنِيَتُهُمْ قَصِيرَةً وَأَبْوَابُهُمْ خَفِيفَةً وَأَغْلَاقُهُمْ سَهْلَةً كَانَتْ حِرْزًا لِأَمْثَالِهِمْ، فَإِنْ سَكَنَهَا أَهْلُ الْيَسَارِ لَمْ تَكُنْ حِرْزًا لَهُمْ؛ لِأَنَّ مَسَاكِنَ ذَوِي الْيَسَارِ مَحْكَمَةُ الْأَبْنِيَةِ، عَالِيَةُ الْجُدْرَانِ وَثِيقَةُ الْأَبْوَابِ صَعْبَةُ الْأَغْلَاقِ، فَإِنْ كَانَتْ جُدْرَانُهَا قِصَارًا وَهِيَ مُسَقَّفَةٌ بِسَقْفِ وَثِيقَةٍ كَانَتْ حِرْزًا لِأَمْثَالِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْيَسَارِ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُسَقَّفَةً لَمْ تَكُنْ حِرْزًا لِذَوِي الْيَسَارِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُ الصُّعُودُ إِلَيْهَا إِذَا قَصُرَتْ وَلَا يُمْكِنُ الصُّعُودُ إِلَيْهَا إِذَا عَلَتْ، فَإِذَا سَكَنَ أَهْلُ الْيَسَارِ فِي مَسَاكِنِ أَمْثَالِهِمْ فَلَهُمْ حَالَتَانِ: لَيْلٌ، وَنَهَارٌ.

فَأَمَّا النَّهَارُ فَيَجُوزُ أَنْ يكون أَبْوَابُهُمْ مَفْتُوحَةً إِذَا كَانُوا أَوْ وَاحِدٌ مِنْهُمْ يَرَى الدَّاخِلَ إِلَيْهَا وَالْخَارِجَ مِنْهَا، وَإِنْ لَمْ يروه لم يكن حِرْزًا إِلَّا بِغَلْقِ الْبَابِ، وَإِغْلَاقُهُ فِي النَّهَارِ أخف من أغلاقه في الليل، فلا تَكُونُ فِي اللَّيْلِ حِرْزًا إِلَّا بَعْدَ غَلْقِ أَبْوَابِهَا وَإِحْكَامِ إِغْلَاقِهَا، ثُمَّ لِأَمْتِعَةِ بُيُوتِهِمْ حَالَتَانِ:

إِحْدَاهُمَا: مَا كَانَ جَافِيًا لِلْبِذْلَةِ كَالْبُسُطِ وَالْأَوَانِي فَصُحُونُ مَسَاكِنِهِمْ حِرْزٌ لَهَا.

وَالثَّانِي: مَا كَانَ مِنْ ذَخَائِرِهِمْ وَنَفِيسِ أَمْوَالِهِمْ فَالْبُيُوتُ الْمُغْلِقَةُ فِي الْمَسَاكِنِ حِرْزٌ لَهَا، وَلَا يَكُونُ تَرْكُهَا فِي صُحُونِ الْمَسَاكِنِ حِرْزًا لِمِثْلِهَا؛ لِأَنَّهَا تُحْفَظُ مِنْ أَهْلِ الْمَسْكَنِ وَغَيْرِ أَهْلِ الْمَسْكَنِ، فَإِنْ سَرَقَهَا غَرِيبٌ مِنْهُمْ وَخَارِجٌ عَنْهُمْ قُطِعَ، وَإِنْ سَرَقَهَا أحدهم لم

<<  <  ج: ص:  >  >>