[(مسألة:)]
قال الشافعي: " وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا كَفَّرَ عَنْ رجلٍ بِغَيْرِ أَمْرِهِ فَأَطْعَمَ أَوْ أَعْتَقَ لَمْ يُجْزِهِ وَكَانَ هو المعتق لعبده فَوَلَاؤُهُ لَهُ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: اعْلَمْ أَنَّهُ لَا يَخْلُو حَالُ مَنْ كَفَّرَ عَنْ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُكَفِّرًا عَنْ حيٍّ أَوْ مَيِّتٍ، فَإِنْ كَفَّرَ عَنْ حيٍّ لَمْ يَجُزِ الْكَفَّارَةُ عَنِ الْحَيِّ؛ لِأَنَّ النِّيَّةَ فِيهَا مُسْتَحَقَّةٌ، وَعَدَمُ الْإِذْنِ مَانِعٌ مِنْ صِحَّةِ النِّيَّةِ، فَكَانَ مَا أَخْرَجَهُ النَّائِبُ وَاقِعًا عَنْ نَفْسِهِ، فَإِنْ كَانَ إِطْعَامًا كَانَ صَدَقَةً، وَإِنْ كَانَ عِتْقًا كَانَ تَطَوُّعًا مِنْهُ وَلَهُ وَلَاؤُهُ، وَإِنْ نَوَاهُ عَنْ غَيْرِهِ كَمَنْ حَجَّ عَنْ حيٍّ بِغَيْرِ أَمْرِهِ، كَانَ الْحَجُّ وَاقِعًا عَنِ الْحَاجِّ دُونَ الْمَحْجُوجِ عَنْهُ. وَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي وَلَاءِ مَنْ أَعْتَقَ عَبْدَهُ عَنْ غَيْرِهِ، فَجَعَلَهُ أَبُو حَنِيفَةَ لِلْمُعْتِقِ بِكُلِّ حالٍ، وَجَعَلَ مَالِكٌ لِلْمُعْتَقِ عَنْهُ بِكُلِّ حَالٍ، وَجَعَلَهُ الشَّافِعِيُّ لِلْمُعْتِقِ إِنْ أَعْتَقَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ، وَلِلْمُعْتَقِ عَنْهُ إِنْ أَعْتَقَ بِأَمْرِهِ، وَإِنْ كَفَّرَ عَنْ مَيِّتٍ فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ بِوَصِيَّةٍ أَوْ بِغَيْرِ وَصِيَّةٍ، فَإِنْ كَانَ بِوَصِيَّةٍ كَانَتِ الْوَصِيَّةُ أَمْرًا، فَيَصِيِرُ كالمكفر بأمرٍ، فيكون على ما مضى، فإن كَفَّرَ عَنْهُ بِغَيْرِ وَصِيَّةٍ مِنْهُ، فَلَا يَخْلُو الْمُكَفِّرُ عَنْهُ مِنْ أَنْ يَمُوتَ مُوسِرًا أَوْ مُعْسِرًا، فَإِنْ مَاتَ مُوسِرًا فَوُجُوبُ الْكَفَّارَةِ بَاقٍ فِي تَرِكَتِهِ، فَإِنْ كَفَّرَ عَنْهُ مِنْهَا غَيْرَ وَارِثٍ وَلَا ذِي وِلَايَةٍ كَانَ ضَامِنًا مُتَعَدِّيًا، وَلَمْ يَسْقُطْ بِهِ الْكَفَّارَةُ وَإِنْ كَفَّرَ عَنْهُ مِنْهَا وَارِثٌ، فَإِنْ كَانَ التَّكْفِيرُ طَعَامًا أَجْزَأَ، وَصَارَ كَقَضَاءِ الدِّيُونِ الْوَاجِبَةِ عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ التَّكْفِيرُ عِتْقًا فَضَرْبَانِ:
أَحَدُهُمَا: عِتْقٌ لَا تَخْيِيرَ فِيهِ كَالْعِتْقِ فِي كَفَّارَةِ الظِّهَارِ وَالْقَتْلِ، فَيُجْزِئُ، وَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ أَمْرٍ وَلَا وَصِيَّةٍ، لِأَنَّهُ عِتْقٌ مُسْتَحَقٌّ، فَإِذَا فَاتَ مَنْ ضَمِنَهُ بِالْمَوْتِ وَجَبَ عَلَى مَنْ قَامَ مَقَامَهُ فِي مَالِهِ كَالْحَجِّ لَا يَجُوزُ أَنْ يَحُجَّ عَنْهُ فِي حَيَاتِهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ، وَيَجِبُ عَلَى وَارِثِهِ الْحَجُّ عَنْهُ فِيمَا وَجَبَ بَعْدَ مَوْتِهِ.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ يَكُونَ عِتْقًا فِيهِ تَخْيِيرٌ، كَالْعِتْقِ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ، فَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: لَا يَصِحُّ لِأَنَّ التَّخْيِيرَ فِيهِ يَمْنَعُ مِنْ تَعْيِينِ وُجُوبِهِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: يَصِحُّ، لِأَنَّهُ إِذَا نَابَ عَنْ وَاجِبٍ صَارَ وَاجِبًا وَهَذَانِ الْوَجْهَانِ بِنَاءٌ عَلَى اختلاف أصحابنا في ما وجب في كفارة الْيَمِينِ وَسَائِرِ كَفَّارَاتِ التَّخْيِيرِ هَلْ وَجَبَ بِالنَّصِّ أَحَدُهَا، أَوْ وَجَبَ بِهِ جَمِيعُهَا، وَلَهُ إِسْقَاطُ الْوُجُوبِ بِأَحَدِهِمَا، فَأَحَدُ وَجْهَيْ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْوَاجِبَ بِالنَّصِّ أَحَدُهَا عَلَى وَجْهِ التَّخْيِيرِ، فَعَلَى هَذَا لَا يَصِحُّ الْعِتْقُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute