للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَصْلٌ

: فَإِذَا ثَبَتَ وُجُوبُ الْمَهْرِ عَلَى الْمُسْتَكْرِهِ واختلفا، فادعت الموطوءة الاستكراه وادعا الْوَاطِئُ الْمُطَاوَعَةَ فَفِيهِ قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلُ الْوَاطِئِ مَعَ يَمِينِهِ وَلَا مَهْرَ عَلَيْهِ اعْتِبَارًا بِبَرَاءَةِ ذِمَّتِهِ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ الْقَوْلَ قَوْلَ الْمَوْطُوءَةِ مَعَ يَمِينِهَا وَلَهَا الْمَهْرُ لِأَنَّهُ مُتْلِفٌ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَا مَبْنِيَّيْنِ عَلَى اخْتِلَافِ قَوْلَيْهِ إِذَا اخْتَلَفَ رَبُّ الدَّابَّةِ وَرَاكِبُهَا وَرَبُّ الأرض وزارعها والله أعلم.

[مسألة]

قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: " فِي السَّرِقَةِ حُكْمَانِ أَحَدُهُمَا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالْآخَرُ لِلْآدَمِيِّينَ فَإِذَا قُطِعَ لِلَّهِ تَعَالَى أُخِذَ مِنْهُ مَا سَرَقَ لِلْآدَمِيِّينَ فَإِنْ لَمْ يُؤْخَذْ فَقِيمَتُهُ لِأَنِّي لَمْ أَجِدْ أَحَدَا ضَمِنَ مَالًا بِعَيْنِهِ بغصبٍ أَوْ عدوانٍ فَيَفُوتَ إِلَّا ضَمِنَ قِيمَتَهُ وَلَا أَجِدُ في ذلك موسراً مخالفاً لمعسر وفي المغتصبة حكمان أحدهما لله والآخر للمغتصبة بالمسيس الذي العوض منه المهر فأثبت ذلك والحد على المغتصب كما أثبت الحد والغرم على السارق ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ. إِذَا سَرَقَ سارق نصاباً محرزاً فإن كان السارق بَاقِيًا اسْتُرِدَّ وَقُطِعَ إِجْمَاعًا، وَإِنْ كَانَ تَالِفًا فَقَدِ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ عَلَى ثَلَاثَةِ مَذَاهِبَ:

أَحَدُهَا: وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. أَنْ يُغَرَّمَ وَيُقْطَعَ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا.

وَالْمَذْهَبُ الثَّانِي: وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُقْطَعُ وَلَا يُغَرَّمُ مُوسِرًا كَانَ أَوْ مُعْسِرًا، إِلَّا أَنْ يَعْفُوَ الْمَسْرُوقُ مِنْهُ عَنِ الْقَطْعِ فَيُغَرَّمُ ولا يجمع بين القطع والغرم.

والثالث: وَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ، أَنَّهُ إِنْ كَانَ مُوسِرًا قُطِعَ وَأُغْرِمَ وَإِنْ كَانَ مُعْسِرًا قُطِعَ وَلَمْ يُغَرَّمْ وَاسْتَدَلُّوا عَلَى سُقُوطِ الْغُرْمِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أيْدِيْهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً) {المائدة: ٣١) . فَجَعَلَ جَزَاءَ كَسْبِهِمَا الْقَطْعُ دُونَ الْغُرْمِ. وَبِرِوَايَةِ الْمُفَضَّلِ بْنِ فَضَالَةَ عَنْ يُونُسَ بْنِ زَيْدٍ وَبِرِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ إِذَا قُطِعَتْ يَدُ السَّارِقِ فَلَا غُرْمَ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ أَخْذَ الْقِيمَةِ مِنَ السَّارِقِ يَجْعَلُهَا مِلْكًا لَهُ وَالْإِنْسَانُ لَا يُقْطَعُ فِي مِلْكِهِ. وَلِأَنَّ الْقَطْعَ وَالْغُرْمَ عُقُوبَتَانِ وَلَا تَجْتَمِعُ عُقُوبَتَانِ حَدًا فِي ذَنَبٍ وَاحِدٍ وَدَلِيلُنَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَلَى الْيَدِ مَا أَخَذَتْ حَتَى تُؤَدِّيَهُ، فَجُعِلَ الْأَدَاءُ غَايَةَ الْحُكْمِ وَلِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ بِالْمَنْعِ إِلَى وَقْتِ التَّلَفِ مَعَ اعْتِقَادِ وُجُوبِ الرَّدِّ فَوَجَبَ أَنْ يَلْزَمَهُ الْغُرْمُ كَالْغَاصِبِ وَقَوْلُنَا مَعَ اعْتِقَادِ وُجُوبِ الرَّدِّ احْتِرَازًا مِنَ الْحَرْبِيِّ وَلَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ الْعَبْدُ إِذَا سَرَقَ مِنْ سَيِّدِهِ لِأَنَّ الْغُرْمَ وَجَبَ بِالتَّلَفِ ثُمَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>