بَابُ الرِّبَا وَمَا لَا يَجُوزُ بَعْضُهُ بِبَعْضٍ متفاضلا ولا مؤجلا والصرف
سَمِعْتُ الْمُزَنِيَّ يَقُولُ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ الثَّقَفِيُّ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ وَرَجُلٍ آخَرَ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ، وَلَا الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ وَلَا الْبُرَّ بِالْبُرِّ وَلَا الشَّعِيرَ بِالشَّعِيرِ وَلَا التَّمْرَ بِالتَّمْرِ وَلَا الْمِلْحَ بِالْمِلْحِ إِلَّا سَوَاءً بِسَوَاءٍ عَيْنًا بِعَيْنٍ يَدًا بِيَدٍ وَلَكِنْ بِيعُوا الذَّهَبَ بِالْوَرِقِ وَالْوَرِقَ بِالذَّهَبِ وَالْبُرَّ بِالشَّعِيرِ وَالشَّعِيرَ بِالْبُرِّ وَالتَّمْرَ بِالْمِلْحِ وَالْمِلْحَ بِالتَّمْرِ يَدًا بِيَدٍ كَيْفَ شِئْتُمْ " (قَالَ) وَنَقَضَ أَحَدُهُمَا التَّمْرَ وَالْمِلْحَ وَزَادَ الْآخَرُ فَمَنْ زَادَ أَوِ اسْتَزَادَ فَقَدْ أَرْبَى (قَالَ الشَّافِعِيُّ) وَهُوَ مُوَافِقٌ لِلْأَحَادِيثِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فِي الصَّرْفِ وَبِهِ قُلْنَا ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: الْأَصْلُ فِي تَحْرِيمِ الرِّبَا الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ ثُمَّ الْإِجْمَاعُ.
فَأَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً} [آل عمران: ١٣٠] .
مَعْنَى قَوْلِهِ: " أَضْعَافًا " مُضَاعَفا، أَيْ: أَضْعَافَ الْحَقِّ الَّذِي دَفَعْتُمْ، لِأَنَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ كَانَ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ إِذَا حَلَّ دَيْنُهُ قَالَ لِغَرِيمِهِ إِمَّا أَنْ تُعْطِيَ أَوْ تُرْبِيَ، فَإِنْ أَعْطَاهُ وَإِلَّا أَضْعَفَ عَلَيْهِ الْحَقَّ وَأَضْعَفُ لَهُ الْأَجَلَ ثُمَّ يَفْعَلُ كَذَلِكَ إِذَا حَلَّ حَتَّى يَصِيرَ الْحَقُّ أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً، فَحَظَرَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنَ الْفَسَادِ، ثُمَّ أَكَّدَ الزَّجْرَ عَلَيْهِ بِقَوْلِهِ: {وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [آل عمران: ١٣١] ؛ فَأَخْبَرَ أَنَّ نَارَ آكِلِ الرِّبَا كَنَارِ الْكَافِرِ.
وَقَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ} [البقرة: ٢٧٥] . يَعْنِي لَا يَقُومُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ قُبُورِهِمْ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ فِي الدُّنْيَا مِنَ الْمَسِّ. يَعْنِي: الْجُنُونَ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ الله البيع وحرم الربا} وَهَذِهِ الْآيَةُ نَزَلَتْ فِي ثَقِيفَ وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا أَكْثَرَ الْعَرَبِ رِبًا فَلَمَّا نَزَلَ تَحْرِيمُ الرِّبَا قَالُوا كَيْفَ يُحَرَّمُ الرِّبَا وَإِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا، فَرَدَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ قَوْلَهُمْ وَأَبْطَلَ جَمْعَهُمْ. ثُمَّ قَالَ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute