فَالْعَامُّ أَنْ يُقَارِضَهُ عَلَى أَنْ يَتَّجِرَ فِيمَا أَرَادَ مِنْ أَصْنَافِ الْأَمْتِعَةِ وَأَنْوَاعِ الْعُرُوضِ فَيَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ مَا عَلِمَ فِيهِ صَلَاحًا مِنْ ذَلِكَ.
وَالْخَاصُّ أَنْ يُقَارِضَهُ عَلَى أَنْ يَتَّجِرَ فِي الثِّمَارِ أَوْ فِي الْأَقْوَاتِ أَوْ فِي الثِّيَابِ فَيَكُونُ مَقْصُورًا عَلَى شِرَاءِ مَا عُيِّنَ عَلَيْهِ دُونَ غَيْرِهِ.
فَإِنْ عَقَدَهُ عَامًّا ثُمَّ خَصَّهُ فِي نَوْعٍ بِعَيْنِهِ صَارَ خَاصًّا، وَلَوْ عَقَدَهُ خَاصًّا فِي نَوْعٍ ثُمَّ جَعَلَهُ عَامًّا في كل نوع صار عامداً، لِأَنَّهُ يَنْعَقِدُ جَائِزًا وَلَيْسَ يَنْعَقِدُ لَازِمًا.
وَأَمَّا إِذَا قَارَضَهُ عَلَى شِرَاءِ ثَوْبٍ بِعَيْنِهِ أَوْ عَبْدٍ بِعَيْنِهِ أَوْ عَرْضٍ بِعَيْنِهِ كَانَ الْقِرَاضُ بَاطِلًا، لِأَنَّهُ قَدْ يَتْلَفُ ذَلِكَ الْمُعَيَّنُ فَلَا يَقْدِرُ عَلَى شِرَاءِ غَيْرِهِ، أَوْ قَدْ لَا يُبَاعُ إِلَّا بِمَا لَا فَضُلَ فِي ثَمَنِهِ.
وَهَكَذَا لَوْ قَارَضَهُ عَلَى أَلَّا يَشْتَرِيَ إِلَّا مِنْ فُلَانٍ أَوْ لَا يَبِيعَ إِلَّا عَلَى فُلَانٍ كَانَ الْقِرَاضُ بَاطِلًا، لِأَنَّ فُلَانًا قَدْ يَمُوتُ قَبْلَ مُبَايَعَتِهِ، وَقَدْ لَا يَرْغَبُ فِي مُبَايَعَتِهِ، أَوْ لَا يُبَايِعُهُ إِلَّا بِمَا لَا فضل في ثمنه.
وهكذا لو قارضه على أَلَّا يَبِيعَ وَيَشْتَرِيَ إِلَّا فِي دُكَّانٍ بِعَيْنِهِ كَانَ الْقِرَاضُ بَاطِلًا، لِأَنَّهُ قَدْ يَنْهَدِمُ ذَلِكَ الدُّكَّانُ، أَوْ قَدْ يُغْلَبُ عَلَيْهِ أَوْ قَدْ لَا يُبَايِعُ مِنْهُ.
فَأَمَّا إِذَا قَارَضَهُ عَلَى أَلَّا يَبِيعَ وَيَشْتَرِيَ إِلَّا فِي سُوقِ كَذَا جَازَ بِخِلَافِ الدُّكَّانِ الْمُعَيَّنِ لِأَنَّ السُّوقَ الْعَامَّةَ كَالنَّوْعِ الْعَامِّ وَالدُّكَّانَ الْمُعَيَّنَ كَالْعَرَضِ الْمُعَيَّنِ.
مَسْأَلَةٌ
قال الشافعي رحمه الله تعالى: " أَوْ نَخْلًا أَوْ دَوَابَّ يَطْلُبُ ثَمَرَ النَّخْلِ ونتاج الداب وَيَحْبِسُ رِقَابَهَا ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ: عَقْدُ الْقِرَاضِ يَقْتَضِي تَصَرُّفَ الْعَامِلِ فِي الْمَالِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، فَإِذَا قَارَضَهُ بِمَالٍ عَلَى أَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ نَخْلًا يُمْسِكُ رِقَابَهَا وَيَطْلُبُ ثِمَارَهَا لَمْ يَجُزْ لِأَنَّهُ قَدْ مَنَعَ تَصَرُّفَ الْعَامِلِ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، وَلِأَنَّ الْقِرَاضَ مُخْتَصٌّ بِمَا يَكُونُ النَّمَاءُ فِيهِ حَادِثًا عَنِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، وَهُوَ فِي النَّخْلِ حَادِثٌ مِنْ غَيْرِ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فَبَطَلَ أَنْ يَكُونَ قِرَاضًا، وَلَا يَكُونَ مُسَاقَاةً لِأَنَّهُ عَاقَدَهُ عَلَى جَهَالَةٍ بِهَا قَبْلَ وُجُودِ مِلْكِهَا.
وَهَكَذَا لَوْ قَارَضَهُ عَلَى شِرَاءِ دَوَابَّ أَوْ مَوَاشِي يَحْبِسُ رِقَابَهَا وَيَطْلُبُ نِتَاجَهَا لَمْ يَجُزْ لِمَا ذَكَرْنَا، فَإِنِ اشْتَرَى بِالْمَالِ النَّخْلَ وَالدَّوَابَّ صَحَّ الشِّرَاءُ، وَمُنِعَ مِنَ الْبَيْعِ لِأَنَّ الشِّرَاءَ عَنْ إِذْنِهِ، وَالْبَيْعَ بِغَيْرِ إِذْنِهِ، وَكَانَ الْحَاصِلُ مِنَ الثِّمَارِ وَالنِّتَاجُ مِلْكًا لِرَبِّ الْمَالِ لِأَنَّهُ نَمَاءٌ حَدَثَ عَنْ مِلْكِهِ، وَلِلْعَامِلِ أُجْرَةُ مِثْلِهِ فِي الشَّرْطِ وَالْخِدْمَةِ، لِأَنَّهَا عَمَلٌ عَارَضَ عَلَيْهِمَا.
وَحُكِيَ عَنْ محمد بن الحسن جَوَازُ ذَلِكَ كُلِّهِ حَتَّى قَالَ: لَوْ أَطْلَقَ الْقِرَاضَ مَعَهُ جَازَ لَهُ