للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشَّيْءُ فِي يَدَيْهِ أَقْوَى سَبَبَا فَهُوَ لَهُ لِفَضْلِ قُوَةِ سَبَبِهِ وَهَذَا مُعْتَدِلٌ عَلَى أَصْلِ الْقِيَاسِ وَالسُنَّةِ عَلَى مَا قُلْنَا فِي رَجُلَيْنِ تَدَاعَيَا دَابَّةً وَأَقَامَ كلُ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ أَنَّهَا دَابَّتُهُ نَتَجَهَا فَقَضَى بِهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لِلَّذِي هُوَ فِي يَدَيْهِ قَالَ وَسَوَاءٌ التَّدَاعِيَ وَالْبَيِّنَةِ فِي النِّتَاجِ وَغَيْرِهِ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَأَصْلُ هَذَا أَنَّ مُجَرَّدَ الدَّعَاوَى فِي الْمُطَالَبَاتِ لَا يُحْكَمُ فِي فَصْلِهَا إِلَّا بِحُجَّةٍ تَقْتَرِنُ بِهَا، فحجة المدعي البينة على إثبات ما داعاه، وَحَجَّةُ الْمُدَّعَى ١ عَلَيْهِ الْيَمِينُ عَلَى نَفْيِ مَا أَنْكَرَهُ، لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " الْبَيِّنَةَ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينَ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ ".

وروى الأعمش عن شفيق بْنِ وَائِلٍ عَنِ الْأَشْعَثِ قَالَ: كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ يَهُودِيٍّ أَرْضٌ فَجَحَدَنِي عَلَيْهَا، فَقَدَّمْتُهُ إِلَى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالَ: أَلَكَ بَيِّنَةٌ، فَقُلْتُ لَا. فَقَالَ لِلْيَهُودِيِّ: احْلِفْ. قُلْتُ: إِذَنْ يَحْلِفُ فَيَذْهَبُ بِمَالِي، فَنَزَلَ قَوْله تَعَالَى {إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلا} [آل عمران: ٧٧] الآية، فَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِهَذَا الْخَبَرِ حُجَّةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا.

وَرَوَى سماك عن علقمة بْنِ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَجُلًا مِنْ حَضْرَمَوْتَ أَتَى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَمَعَهُ رَجُلٌ مِنْ كِنْدَةَ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ هَذَا غَلَبَنِي عَلَى أَرْضٍ كَانَتْ لِأَبِي فَقَالَ الْكِنْدِيُّ: أَرْضِي، وَفِي يَدِي ازْرَعُهَا، لا حق له فيها. فقال النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - لِلْحَضْرَمِيِّ: أَلَكَ بَيِّنَةٌ، قَالَ: لَا. فَقَالَ: لَكَ يَمِينُهُ. فَقَالَ الْحَضْرَمِيُّ: إِنَّهُ فَاجِرٌ لَا يُبَالِي على ما حلف إنه لا يتورع من شَيْءٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - " لَيْسَ لَكَ مِنْهُ إِلَّا ذَاكَ " فَدَلَّ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ.

وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مِنْ طَرِيقِ الْمَعْنَى إِنَّ الْبَيِّنَةَ أَقْوَى مِنَ الْيَمِينِ، لِزَوَالِ التُّهْمَةِ عَنِ الْبَيِّنَةِ وَتَوَجُّهِهَا إِلَى الْيَمِينِ.

وَجَنَبَةُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَقْوَى مِنْ جَنَبَةِ الْمُدَّعِي، لِأَنَّ الدَّعْوَةَ إِنْ تَوَجَّهَتْ إِلَى مَا فِي يَدِهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ عَلَى مِلْكِهِ، وَإِنْ تَوَجَّهَتْ إِلَى دَيْنٍ فِي ذِمَّتِهِ، فَالْأَصْلُ بَرَاءَةُ ذِمَّتِهِ، فَجُعِلَتْ أَقْوَى الْحُجَّتَيْنِ وَهِيَ الْبَيِّنَةُ فِي أَضْعَفِ الْجَنَبَتَيْنِ وَهِيَ الْمُدَّعِي، وَجُعِلَتْ أَضْعَفَ الْحُجَّتَيْنِ وَهِيَ الْيَمِينُ فِي أَقْوَى الْجَنَبَتَيْنِ وَهِيَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، لِتَكُونَ قُوَّةُ الْحُجَّةِ جُبْرَانًا، لِضَعْفِ الْجَنَبَةِ وَفِي الْجَنَبَةِ جُبْرَانًا لِضَعْفِ الْحُجَّةِ فَتَعَادَلَا فِي الضَّعْفِ وَالْقُوَّةِ.

(فَصْلٌ)

: وَإِذَا تَعَيَّنَ الْمُدَّعِي، وَتَحَرَّرَتِ الدَّعْوَى، سَأَلَ الْحَاكِمُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، عَنِ الدَّعْوَى، وَلَمْ يَسْأَلِ الْمُدَّعِيَ عَنِ الْبَيِّنَةِ، لِأَنَّه قَدْ يُقِرُّ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، فَلَا يُحْوَجُ إِلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>