للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ الشَّافِعِيُّ: " فَإِنِ اجْتَمَعَ أَمْرَانِ فَخَافَ فَوَاتَ أَحَدِهِمَا، بَدَأَ بِالَّذِي يَخَافُ فَوْتَهُ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْآخَرِ " وَقَدْ ذَكَرْنَا ذَلِكَ فِيمَا مَضَى وَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَوِ اقْتَصَرَ فِي صَلَاةِ الْخُسُوفِ عَلَى فَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَحْدَهَا أَجْزَأَهُ.

وَصَلَاةُ الْخُسُوفِ سُنَّةٌ فِي الْحَضَرِ وَالسَّفَرِ لِلْحُرِّ وَالْعَبْدِ، وَالرِّجَالِ دُونَ النِّسَاءِ فِي جَمَاعَةٍ وَفُرَادَى، لِتَعَلُّقِهَا بِآيَةٍ عَامَّةٍ يَشْتَرِكُ فِيهَا الْكَافَّةُ، فَإِنْ صَلَّاهَا النِّسَاءُ فَلَا بَأْسَ، وَإِنْ صَلَّاهَا الرِّجَالُ فُرَادَى لَمْ يُخْطَبْ بَعْدَهَا، لِأَنَّ الْخُطْبَةَ لِلْغَيْرِ ".

(مَسْأَلَةٌ)

: قَالَ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: " وَلَا آمُرُ بصلاة فِي سِوَاهِمَا وَآمُرُ بِالصَّلَاةِ مُنْفَرِدِينَ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ، لَيْسَ مِنَ السُّنَّةِ أَنْ يُصَلِّيَ لِشَيْءٍ مِنَ الْآيَاتِ سِوَى خُسُوفِ الشَّمْسِ وَكُسُوفِ الْقَمَرِ، فَأَمَّا الزِّلَازِلُ وَالرِّيَاحُ وَالصَّوَاعِقُ وَانْقِضَاضُ الْكَوَاكِبِ فَلَا يُصَلَّى لِشَيْءٍ مِنْهُ، كَصَلَاةِ الْخُسُوفِ في جماعة لا فُرَادَى.

وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ وَيُصَلَّى جَمَاعَةً فِي كُلِّ آيَةٍ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ، وَقَالَ أَهْلُ الْعِرَاقِ يُصَلَّى فُرَادَى.

وَمَذْهَبُنَا أَصَحُّ، لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - آيَاتٌ، مِنْهَا انْشِقَاقُ الْقَمَرِ، وَالزِّلَازِلُ وَالرِّيَاحُ وَالصَّوَاعِقُ، فَلَمْ يُصَلِّ لِشَيْءٍ مِنْهَا، وَصَلَّى لِلْخُسُوفِ. وَرَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - كَانَتْ إِذَا هَبَّتْ رِيحٌ عَاصِفٌ اصْفَرَّ لَوْنُهُ " وَقَالَ اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا رِيَاحًا وَلَا تَجْعَلْهَا رِيحًا " وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ الرِّيَاحَ رَحْمَةً وَالرِّيحَ نِقْمَةً، وَقَالَ تَعَالَى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّيَاحَ مُبَشِّرَاتٍ) {الروم: ٤٦) فَكَانَتْ رَحْمَةً، وَقَالَ تَعَالَى {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا) {الأحزاب: ٩) فَكَانَتْ نِقْمَةً، فَإِنْ تَنَفَّلَ النَّاسُ بِالصَّلَاةِ لِهَذِهِ الْآيَاتِ جَازَ، فَإِنَّ الصَّلَاةَ خَيْرٌ مَوْضُوعٌ، وَقَدْ ذَكَرَ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ اخْتِلَافِ الْعِرَاقِيِّينَ أَنَّهُ رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ صَلَّى جَمَاعَةً فِي زَلْزَلَةٍ.

فَقَالَ الشَّافِعِيُّ فَإِنْ صَحَّ قُلْتُ بِهِ، فَمِنْ أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ إِنْ صَحَّ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قُلْنَا بِهِ، وَإِلَى وَقْتِنَا هَذَا لَمْ يَصِحَّ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إِنْ صَحَّ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قُلْنَا بِهِ، فَمَنْ قَالَ بِهَذَا اخْتَلَفُوا عَلَى مَذْهَبَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: إِنْ صَحَّ قُلْنَا بِهِ فِي الزَّلْزَلَةِ.

وَالثَّانِي: إِنْ صَحَّ قُلْنَا بِهِ فِي سَائِرِ الْآيَاتِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>