أَحَدُهُمَا: وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ لَا تَغْرِيبَ فِيهِ؛ لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - قَالَ: " إِذَا زَنَتِ الْأَمَةُ فَاجْلِدُوهَا) وَلَمْ يَأْمُرْ بتغريبها، لأن التَّغْرِيبَ مَوْضُوعٌ لِلُحُوقِ الْمَعَرَّةِ وَإِدْخَالِ الْمَشَقَّةِ، وَلَا مَعَرَّةَ فِيهِ عَلَى الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ، وَلَا مَشَقَّةَ تلحقها في الغربة؛ لأنهما مع العبد أرفه.
والقول الثاني: أن التغريب واجب لقوله تَعَالَى: {فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} [النساء: ٢٥] فَكَانَ عَلَى عُمُومِهِ.
وَرَوَى نَافِعٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ أَمَةً لَهُ زَنَتْ فَجَلَدَهَا وَنَفَاهَا إِلَى فَدَكَ، وَلِأَنَّ كُلَّ مَنْ جُلِدَ فِي الزِّنَا غُرِّبَ كَالْحُرِّ، وَلِأَنَّهُ حَدٌّ يَتَبَعَّضُ فَوَجَبَ أَنْ يُسْتَحَقَّ فِي الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ كالجلد، وفيه وجه ثالث لبعض أصحابنا: أنه إن تولى الإمام جلدها غربها، وإن تولاه السيد لم يغربها، وفرق ما بينهما من وجهين:
أحدهما: نفوذ أمر الإمام في جميع الْبِلَادِ دُونَ السَّيِّدِ.
وَالثَّانِي: لِاتِّسَاعِ بَيْتِ الْمَالِ لنفقة التَّغْرِيبِ دُونَ السَّيِّدِ، فَإِذَا قِيلَ بِوُجُوبِ التَّغْرِيبِ ففي قدره قولان:
أحدهما: أنه تغريب عام كَالْحُرِّ، قَالَهُ فِي الْقَدِيمِ؛ لِأَنَّ مَا قُدِّرَ بِالْحَوْلِ اسْتَوَى فِيهِ الْحُرُّ وَالْعَبْدُ كَالْحَوْلِ فِي أجل العنة.
والقول الثاني: أنه تغريب نِصْفَ عَامٍ قَالَهُ فِي الْجَدِيدِ، وَهُوَ مَعْنَى قوله ها هنا: " أَسْتَخِيرُ اللَّهَ فِي نَفْيِهِ نِصْفَ سَنَةٍ) وَإِنَّمَا كَانَ كَذَلِكَ، لِأَنَّهُ حَدٌّ يَتَبَعَّضُ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ عَلَى النِّصْفِ مِنَ الْحُرِّ كَالْجَلْدِ، وَخَالَفَ أَجْلَ الْعُنَّةِ؛ لِأَنَّهُ مَضْرُوبٌ لِظُهُورِ عَيْبٍ يُعْلَمُ بتغيير الفصول الأربعة فيستوي فِيهِ الْحُرَّ وَخَالَفَهُ فِي مُدَّةِ التَّغْرِيبِ.
(مَسْأَلَةٌ)
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: " وَيَحُدُّ الرَّجُلُ أَمَتَهُ إِذَا زَنَتْ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " إذا زنت أمة أحدكم فتبين زناها فليجدها)) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ: يَجُوزُ لِلسَّيِّدِ إِقَامَةُ الْحُدُودِ عَلَى عَبِيدِهِ وَإِمَائِهِ وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِينَ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَجُوزُ لِلسَّيِّدِ أَنْ يَتَوَلَّاهُ وَالْإِمَامُ أَحَقُّ بِإِقَامَتِهِ.
وَقَالَ مَالِكٌ: لا يجوز أن يتولى السيد حَدَّ أَمَتِهِ إِذَا كَانَتْ ذَاتَ زَوْجٍ وَيَجُوزُ أَنْ يَتَوَلَّاهُ فِي الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ غَيْرِ ذَاتِ الزوج.
واستدلوا بأنه من حدود الله تعالى فوجب أن يكون الأئمة أَحَقَّ بِإِقَامَتِهِ قِيَاسًا عَلَى حَدِّ الْحُرِّ، وَلِأَنَّ مَنْ لَا يَمْلِكُ إِقَامَةَ الْحَدِّ عَلَى الْحُرِّ لَمْ يَمْلِكْ إِقَامَتَهُ عَلَى الْعَبْدِ كَالصَّغِيرِ