قال الماوردي: إذا قال لزوجته أو لأمته: أنت عليه كَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ، أَوْ كَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ، فَهَذَا قَدْ يُسْتَعْمَلُ فِي كِنَايَاتِ الطَّلَاقِ وَالظِّهَارِ وَالْعِتْقِ، فَإِنْ أَرَادَ بِهِ طَلَاقًا أَوْ ظِهَارًا أَوْ عِتْقًا صَحَّ، وَإِنْ لَمْ يُرِدْ بِهِ ذَلِكَ فَلَا يَخْلُو حَالُهُ مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ.
أَحَدُهَا: أَنْ يريد به تحريم الوطئ، فَيَكُونُ كِنَايَةً فِيهِ فَتَجِبُ بِهِ الْكَفَّارَةُ، لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ كِنَايَةً فِي الطَّلَاقِ فَأَوْلَى أَنْ يَكُونَ كِنَايَةً فِي تَحْرِيمِ الْوَطْءِ تَجِبُ بِهِ الْكَفَّارَةُ، وَإِنْ لَمْ يَقَعْ بِهِ التَّحْرِيمُ، كَقَوْلِهِ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ، يُرِيدُ تَحْرِيمَ الْوَطْءِ.
وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يُرِيدَ بِهِ لَفْظَ التَّحْرِيمِ، فَيَجْعَلَهُ قَائِمًا مَقَامَ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ، فَإِنْ قُلْنَا إِنَّ الْحَرَامَ صَرِيحٌ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ، كَانَ هَذَا كِنَايَةً عَنْهُ، لِأَنَّ الصَّرِيحَ يُكَنَّى عَنْهُ، فَيَصِيرُ بِالنِّيَّةِ جَارِيًا مَجْرَى قَوْلِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ، فَتَكُونُ الْكَفَّارَةُ بِهِ وَاجِبَةً، وَإِنْ قُلْنَا إِنَّ الْحَرَامَ كِنَايَةٌ فِي الْكَفَّارَةِ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مَعَ فَقْدِ الْإِرَادَةِ حُكْمٌ، فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي هَذَا، لِأَنَّ الْكِنَايَةَ لَيْسَ لَهَا كِنَايَةٌ.
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَن لَا يُرِيدَ شَيْئًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، لِأَنَّ الْكِنَايَةَ مَعَ فَقْدِ الْإِرَادَةِ لَا يَتَعَلَّقُ بِهَا حُكْمٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ.
(فَصْلٌ:)
وَإِذَا قَالَ لِزَوْجَتِهِ وَهِيَ مُحْرِمَةٌ، أو حائض أو في عدة عن طَلَاقٍ رَجْعِيٍّ، أَوْ فِي ظِهَارٍ لَمْ يُكَفِّرْ عَنْهُ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ، يُرِيدُ تَحْرِيمَ وَطْئِهَا لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ، لِأَنَّ وَطْأَهَا مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ، وَهَكَذَا لَوْ قَالَ لِأَمَتِهِ، وَقَدْ زَوَّجَهَا أَوْ كَاتَبَهَا. أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ، يُرِيدُ تَحْرِيمَ وطئها، لم تلزمه الكفارة، لأن وطئها مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ، وَإِنْ قَالَ ذَلِكَ لَهُمَا: وَهُمَا عَلَى الْحَالِ الَّتِي ذَكَرْنَا، لَا يُرِيدُ تَحْرِيمَ وَطْئِهَا، فَإِنْ جَعَلْنَا اللَّفْظَ صَرِيحًا فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ وَجَبَتْ عَلَيْهِ، لِأَنَّ الْحُكْمَ يَصِيرُ مُعَلَّقًا بِاللَّفْظِ وَإِنْ جَعَلْنَاهُ كِنَايَةً فِيهِمَا، لَمْ تَجِبْ عليه.
[(فصل:)]
وإذا قال زوجته: فَرَجُكِ عَلَيَّ حَرَامٌ أَوْ قَالَ: رَأْسُكِ عَلَيَّ حَرَامٌ فَهُمَا سَوَاءٌ وَلَيْسَ لِذِكْرِ الْفَرْجِ زِيَادَةُ حُكْمٍ، لِأَنَّهُ بَعْضُهَا كَرَأْسِهَا، فَدَخَلَا فِي قَوْلِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ، فَجَرَى عَلَيْهِ حُكْمُهُ وَإِنْ كَانَ لَفْظُ التَّحْرِيمِ أَعَمَّ، فَإِنْ أَرَادَ بِتَحْرِيمِ الْفَرْجِ وَالرَّأْسِ تَحْرِيمَ الْوَطْءِ، لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ إِرَادَةٌ فَعَلَى قَوْلَيْنِ، وَلَوْ قَالَ بَطْنُكِ عَلَيَّ حَرَامٌ، كَانَ صَرِيحًا فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ لِانْتِفَاءِ الِاحْتِمَالِ عَنْهُ.
وَلَوْ قَالَ أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ طَالِقٌ، وَلَا نِيَّةَ لَهُ طُلِّقَتْ، وَلَمْ تَلْزَمْهُ الْكَفَّارَةُ، وَصَارَ مَا تَعَقَّبَ التَّحْرِيمَ مِنَ الطَّلَاقِ تَفْسِيرًا لَهُ، وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ عَلَيَّ حَرَامٌ وَأَنْتِ طَالِقٌ، لَمْ يَصِرِ الطَّلَاقُ تَفْسِيرًا لِاسْتِئْنَافِهِ بِلَفْظٍ مُبْتَدَأٍ، وَلَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ فِي التَّحْرِيمِ، عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute