يَتَعَقَّبْهُ الْقَبْضُ لَمْ يَحْصُلْ بِهِ الْمِلْكُ وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ بِالْقَبْضِ وَحْدَهُ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَتَقَدَّمْهُ الْعَقْدُ لَمْ يَحْصُلْ بِهِ الْمِلْكُ. وَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ بِالْعَقْدِ وَالْقَبْضِ مَعًا لِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَوْضُوعِ الْبُيُوعِ الَّتِي يَنْتَقِلُ الْمِلْكُ فِيهَا بِنَفْسِ الْعَقْدِ.
وَالثَّانِي: أَنَّ لِلْبَائِعِ بَعْدَ وُجُودِ الْعَقْدِ وَالْقَبْضِ اسْتِرْجَاعَهُ مِنَ المشتري ومطالبته بمهر المثل إن وطء الْجَارِيَةَ الْمَقْبُوضَةَ بِالْعَقْدِ الْفَاسِدِ وَلَوْ مَلَكَهُ لَمْ يَجُزِ انْتِزَاعُ مِلْكِهُ فِي يَدِهِ وَلَا مُطَالَبَتُهُ بِمَهْرٍ فِي وَطْءِ مِلْكِهُ فَدَلَّ عَلَى انْتِفَاءِ الْمِلْكِ فِي الْأَحْوَالِ.
فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنِ اسْتِدْلَالِهِمْ بِحَدِيثِ بَرِيرَةَ فَهُوَ أَنَّ عَقْدَ ابْتِيَاعِهَا كَانَ صَحِيحًا لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَذِنَ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فِيهِ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَأْذَنَ فِي عَقْدٍ فَاسِدٍ فَكَانَ عِتْقُ عَائِشَةَ صَادَفَ مِلْكًا عَنْ عَقْدٍ صَحِيحٍ.
فَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى الْعَقْدِ الصَّحِيحِ فَمُنْتَقِضٌ بِالْعَقْدِ إِذَا كَانَ الثَّمَنُ فِيهِ مَيْتَةً أَوْ دَمًا عَلَى أَنَّ الْمَعْنَى فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ مَضْمُونٌ بِالثَّمَنِ فَصَحَّ الْمِلْكُ بِهِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْفَاسِدُ.
وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ بِعَقْدِ النِّكَاحِ فَهُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ لِأَنَّ مَا يُمْلَكُ بِالنِّكَاحِ الصَّحِيحِ من الطَّلَاقِ وَالْخُلْعِ وَالظِّهَارِ يَنْتَفِي عَنِ النِّكَاحِ الْفَاسِدِ فَكَذَلِكَ الْبَيْعُ. وَأَمَّا لُحُوقُ النَّسَبِ وَوُجُوبُ الْعِدَّةِ فَهُوَ مِنْ أَحْكَامِ الْوَطْءِ وَلَيْسَ مِمَّا يُمْلَكُ بِالْعَقْدِ.
وَأَمَّا اسْتِدْلَالُهُمْ بِالْكِتَابَةِ فَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّ الْكِتَابَةَ الْفَاسِدَةَ إِذَا بَطَلَ حُكْمُ الْعَقْدِ فِيهَا بَقِيَ العتق بالصفة فكان العتق بوجود الصِّفَةِ لَا بِالْكِتَابَةِ الْفَاسِدَةِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ الْبَيْعُ.
فَصْلٌ:
فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ لَا يُمْلَكُ بِهِ وَلَا بِالْقَبْضِ وَالتَّصَرُّفِ فَلَوْ كَانَ الْمَبِيعُ دَارًا فَبَنَى الْمُشْتَرِي فِيهَا بِنَاءً أَوْ كَانَتْ أَرْضًا فَغَرَسَ فِيهَا غَرْسًا لَمْ يَكُنْ للبائع قلع بنائه وَقِيلَ لَهُ إِمَّا أَنْ تُعْطِيَهَ قِيمَةَ بِنَائِهِ وَغَرْسِهِ قَائِمًا أَوْ تَقْلَعَهُ وَتُعْطِيَهُ مَا نَقَصَ مِنْ قِيمَتِهِ.
وَقَالَ أبو حنيفة: لَيْسَ لِلْبَائِعِ اسْتِرْجَاعُ الدَّارِ وَيَأْخُذُ قِيمَتَهَا مِنَ الْمُشْتَرِي.
وَقَالَ أبو يوسف ومحمد يَنْقُضُ الْبِنَاءَ وَتُرَدُّ الدَّارُ على بائعها والله أعلم.
[مسألة:]
قال الشافعي رحمه الله تعالى: " وَإِنْ أَوْلَدَهَا رُدَّتْ إِلَى رَبِّهَا وَكَانَ عَلَيْهِ مَهْرُ مِثْلِهَا وَقِيمَةُ وَلَدِهِ يَوْمَ خَرَجَ مِنْهَا فَإِنْ مَاتَ الْوَلَدُ قَبْلَ الْحُكْمِ أَوْ بَعْدَهُ فَسَوَاءٌ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ. إِذَا ابْتَاعَ جارية بيعا فاسدا وقبضها فَقَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَا يَمْلِكُهَا بِالْقَبْضِ فَإِنْ وَطِئَهَا لَمْ تَحُلَّ لِأَنَّهُ وَطْءُ شُبْهَةٍ. وَتَعَلَّقَ بِوَطْئِهَا إِذَا رَدَّهَا خَمْسَةُ أَحْكَامٍ تَخْتَصُّ بِهَا، رُبَّمَا اجْتَمَعَتْ وَرُبَّمَا افْتَرَقَتْ وَهِيَ: مَهْرُ الْمِثْلِ، وَأَرْشُ الْبَكَارَةِ، وَأَرْشُ نَقْصِهَا بِالْوِلَادَةِ، وَأُجْرَةُ مِثْلِهَا مُدَّةَ كَوْنِهَا عِنْدَهُ، وَقِيمَةُ وَلَدِهَا مِنْهُ.
فَأَمَّا الْأَوَّلُ وَهُوَ مَهْرُ الْمِثْلِ فَإِنَّمَا وَجَبَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ وَطْءٌ سَقَطَ فِيهِ الْحَدُّ عَنْهَا فَأُوجِبَ المهر