للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَأَمَّا اسْتِدْلَالُ الْمُزَنِيِّ بِالْآيَةِ فَيَقْتَضِي كَوْنَ مَا تَضَمَّنَهَا مِنَ الشَّرْطِ فِي ابْتِدَاءِ الْعَقْدِ دُونَ اسْتَدَامَتِهِ، وَمَا ذَكَرَهُ مِنَ الِاسْتِدْلَالِ بِأَنَّ زَوَالَ الْعِلَّةِ مُوجِبٌ لِزَوَالِ حُكْمِهَا فَاسِدٌ بِخَوْفِ الْعَنَتِ.

[مسألة]

قال الشافعي: " وحاجتي من لا يفسخ نكاح إماءٍ غير المسلمات فقال لما أحل الله بينهما ولا نفقة لها لأنها مانعةٌ له نفسها بالردة وإن ارتدت من نصرانية إلى يهودية أو من يهودية إلى نصرانية لم تحرم [ ... ] تعالى نكاح الحرة المسلمة دل على نكاح الأمة قلت قد حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى الْمَيْتَةَ وَاسْتَثْنَى إِحْلَالَهَا لِلْمُضْطَرِّ فهل تحل لغير مضطر واستثنى من تحريم المشركات إحلال حرائر أهل الكتاب فهل يجوز حرائر غير أهل الكتاب فلا تحل إماؤهم وإماؤهم غير حرائرهم واشترط في إماء المسلمين فلا يجوز له إلا بالشرط وقلت له لم لا أحللت الأم كالربيبة وحرمتها بالدخول كالربيبة؟ (قال) لأن الأم مبهمةٌ والشرط في الربيبة (قلت) فهكذا قلنا في التحريم في المشركات والشرط في التحليل في الحرائر وإماء المؤمنات ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَإِذْ قَدْ مَضَى الْكَلَامُ فِي الشُّرُوطِ الْمُعْتَبَرَةِ فِي نِكَاحِ الْأَمَةِ مِنْ جِهَةِ الزَّوْجِ بَقِيَ الْكَلَامُ فِي الشُّرُوطِ الْمُعْتَبَرَةِ مِنْ جِهَتِهَا، وَهُوَ إِسْلَامُهَا فلا يجوز للمسلم نكاح أمة كافرة بمال.

وَقَالَ أبو حنيفة: يَجُوزُ لَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ الْكَافِرَةِ كَمَا يَجُوزُ لَهُ نِكَاحُ الْحُرَّةِ الْكَافِرَةِ اسْتِدْلَالًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةُ أَوْ مَا مَلَكَتْ أيْمَانُكُمْ) {النساء: ٣) فَكَانَتْ على عمومها؛ ولأن كل من جاز له وطئها بملك اليمين جاز له وطئها بملك نكاح كالمسلمة، ولأن في الأمة الكافرة نقصان: نقص الرق، ونقص الكفر، وَلَيْسَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ النَّقْصَيْنِ تَأْثِيرٌ فِي الْمَنْعِ مِنَ النِّكَاحِ إِذَا انْفَرَدَ وَجَبَ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُمَا تَأْثِيرٌ فِيهِ إِذَا اجْتَمَعَا.

وَدَلِيلُنَا قَوْله تَعَالَى: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ المُحْصَنَاتِ المُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمْ المُؤْمِنَاتِ) {النساء: ٢٥) فَجُعِلَ نِكَاحُ الْأَمَةِ مَشْرُوطًا بِالْإِيمَانِ فَلَمْ يُسْتَبَحْ مَعَ عدمه قال تعالى: {اليَوْمَ أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتِ} إلى قوله: {وَالمُحْصِنَاتِ مِنَ المُؤْمِنَاتِ وَالمُحْصِنَاتِ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الكَتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ) {المائدة: ٥) والمحصنات هَاهُنَا الْحَرَائِرُ، فَاقْتَضَى أَنْ لَا يَحِلَّ نِكَاحُ إِمَاءِ أَهْلِ الْكِتَابِ؛ وَلِأَنَّ ذَلِكَ إِجْمَاعٌ؛ لِأَنَّهُ مَرْوِيٌّ عَنْ عُمْرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَلَيْسَ لَهُمَا مُخَالِفٌ وَلِأَنَّهَا امْرَأَةٌ اجْتَمَعَ فِيهَا نَقْصَانِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَأْثِيرٌ فِي الْمَنْعِ مِنَ النِّكَاحِ، فوجب أن يكون اجتماعهما موجب لتحريمهما على المسلم كالحرة المجوسية أحد نقصيها الْكُفْرُ وَالْآخَرُ عَدَمُ الْكِتَابِ، وَالْأَمَةُ الْكِتَابِيَّةُ أَحَدُ نقصيها الرق والآخر الكفر؛ ولأن نكاح المسلم للأمة الْكَافِرَة يُفْضِي إِلَى أَمْرَيْنِ يَمْنَعُ الشَّرْعُ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>