بَعْضَهَا ثُمَّ كَبَّرَ الْإِمَامُ قَطَعَ الْقِرَاءَةَ وَكَبَّرَ الثَّانِيَةَ مَعَهُ، وَقَدْ يَحْمِلُ الْإِمَامُ عَنْهُ مَا بَقِيَ مِنَ الْقِرَاءَةِ وَإِنْ كَانَ أَدْرَكَهُ فِي التَّكْبِيرَةِ الثَّانِيَةِ فَدَخَلَ مَعَهُ، كَانَتْ لَهُ أُولَةٌ يَقْرَأُ فِيهَا الْفَاتِحَةَ، وَيَبْنِي عَلَى صَلَاةِ نَفْسِهِ وَهِيَ لِلْإِمَامِ ثَانِيَةٌ يُصَلِّي فِيهَا عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -، فَإِذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ أَتَمَّ الصَّلَاةَ سَوَاءً كَانَتِ الجنازة موضوعة أو مرفوعة.
[مسألة:]
قال الشافعي رضي الله عنه: " وَمَنْ لَمْ يُدْرِكْ صَلَّى عَلَى الْقَبْرِ. وَرُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ صَلَّى عَلَى الْقَبْرِ وَعَنْ عُمَرَ وَابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ مِثْلُهُ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ أَمَّا مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ مَرَّةً، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ ثَانِيَةً، وَأَمَّا مَنْ لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهِ مِنْ أَوْلِيَائِهِ وَغَيْرِ أَوْلِيَائِهِ، فَلَهُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ ثَانِيَةً قَبْلَ الدَّفْنِ عَلَى جِنَازَتِهِ، وَبَعْدَ الدَّفْنِ عَلَى قَبْرِهِ، وَهُوَ أَوْلَى بَلْ قَدْ كَرِهَ الشَّافِعِيُّ الصَّلَاةَ عَلَيْهِ قَبْلَ الدفن لما يخاف من انفجاره، وَاسْتَحَبَّهَا بَعْدَ الدَّفْنِ.
وَبِهِ قَالَ مِنَ الصَّحَابَةِ عَلِيٌّ وَعُمَرُ وَابْنُ عُمَرَ وَأَبُو مُوسَى وَعَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ.
وَمِنَ التَّابِعِينَ الزُّهْرِيُّ وَغَيْرُهُ، وَمِنَ الْفُقَهَاءِ الْأَوْزَاعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ، وَقَالَ أبو حنيفة وَمَالِكٌ إِذَا صَلَّى عَلَى الْمَيِّتِ وَلِيُّهُ مَرَّةً لَمْ يَجُزْ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ ثَانِيَةً سَوَاءً دُفِنَ أَوْ لَمْ يُدْفَنْ تَعَلُّقًا بِمَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ نَهَى عَنِ الصَّلَاةِ فِي الْمَقْبَرَةِ وَرُوِيَ عنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أنه منع من الصلاة على القبر وغلط الْأَمْرَ فِيهِ وَقَالَ: " لَعَنَ اللَّهُ الْيَهُودَ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ " قَالُوا وَلَوْ جَازَتِ الصَّلَاةُ عَلَى الْقَبْرِ، لَجَازَتْ عَلَى قَبْرِ رَسُولِ اللَّهِ، قَالُوا: وَلِأَنَّهُ إِذَا صُلِّيَ عَلَيْهِ مَرَّةً فَقَطْ سَقَطَ الْغَرَضُ وَصَارَتِ الثَّانِيَةُ نَفْلًا، وَالتَّنَفُّلُ عَلَى الْمَيِّتِ لَا يَجُوزُ، بِدَلَالَةِ أَنَّ مَنْ صَلَّى عَلَيْهِ مَرَّةً لَمْ يَجُزْ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ ثَانِيَةً.
وَالدَّلَالَةُ عَلَى جَوَازِ الصَّلَاةِ عَلَى الْقَبْرِ، ثُبُوتُ الرِّوَايَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِذَلِكَ مِنْ سِتَّةِ أَوْجُهٍ:
أَحَدُهَا: رِوَايَةُ سَهْلِ بن حنيف أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صَلَّى عَلَى قَبْرِ مسكينةٍ.
وَثَانِيهَا: رِوَايَةُ ثَابِتٍ الْبُنَانِيِّ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - صَلَّى عَلَى قَبْرِ رَجُلٍ أَسْوَدَ كَانَ يُنَظِّفُ الْمَسْجِدَ فَدُفِنَ لَيْلًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute