وَالْأَصْلُ الثَّانِي: أَنَّ عَقْدَ السَّلَمِ فِي جِنْسَيْنِ بِثَمَنٍ وَاحِدٍ يَكُونُ عَلَى قَوْلَيْنِ، وَهَذَا سَلَمٌ فِي أَجْنَاسٍ فَاقْتَضَى أَنْ يَكُونَ عَلَى قَوْلَيْنِ.
وَالْأَصْلُ الثَّالِثُ: أَنَّ عَقْدَ السَّلَمِ إِلَى أَجَلَيْنِ يَكُونُ عَلَى قَوْلَيْنِ، وَهَذَا أَسْلَم إِلَى آجَالٍ فَاقْتَضَى أَنْ يَكُونَ عَلَى قَوْلَيْنِ، وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي جَوَابِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ لِاخْتِلَافِ الْقَوْلَيْنِ فِي هَذِهِ الْأُصُولِ الثَّلَاثَةِ فَكَانَ بَعْضُهُمْ يُخْرِجُهَا عَلَى قَوْلَيْنِ كَالْأُصُولِ الثَّلَاثَةِ: أَحَدُهَا: أَنَّ الْخُلْعَ بَاطِلٌ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّهُ جَائِزٌ وَهُوَ الْمَنْصُوصُ عَلَيْهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ، وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ وَأَبُو حَامِدٍ الْمَرْوَزِيُّ وَكَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِنَا إنَّ هَذَا الْخُلْعَ يَصِحُّ قَوْلًا وَاحِدًا، وَإِنْ كَانَ مَبْنِيًّا عَلَى أُصُولٍ هِيَ عَلَى قَوْلَيْنِ لِاخْتِصَاصِ الْخُلْعِ بِثَلَاثَةِ مَعَانٍ يُفَارِقُ بِهَا أُصُولَهُ:
أَحَدُهَا: أَنَّ النَّفَقَةَ هَا هُنَا تَبَعٌ لِلرَّضَاعِ، وَقَدْ يُخَفَّفُ حُكْمُ التَّبَعِ عَنْ حُكْمِ الِانْفِرَادِ كَمَا يَجُوزُ بَيْعُ مَا لَمْ يُؤَبَّرْ مِنَ الثَّمَرَةِ تَبَعًا لِنَخْلِهَا، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهَا بِانْفِرَادِهَا، وَكَمَا يَجُوزُ بَيْعُ الْحَمْلِ تَبَعًا لِلْأَمَةِ، وَلَا يَجُوزُ بَيْعُهُ مُفْرَدًا عَنْهَا.
وَالثَّانِي: أَنَّ الضَّرُورَةَ دَعَتْ إِلَى الْجَمْعِ بَيْنَ هَذِهِ الْأَجْنَاسِ بِعَقْدٍ وَاحِدٍ، لِأَنَّ عَقْدَ الْخُلْعِ إِذَا أُفْرِدَ بِأَحَدِهِمَا لَمْ تَصِحَّ بَعْدَهُ عَقْدُ خُلْعٍ آخَرَ فَدَعَتِ الضَّرُورَةُ إِلَى جَمْعِهِ فِي عَقْدٍ وَاحِدٍ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ غَيْرُهُ مِنَ الْعُقُودِ.
وَالثَّالِثُ: أَنَّ عَقْدَ الْخُلْعِ مفاداة قصد بهما اسْتِنْقَاذُهُمَا مِنْ مَعْصِيَةٍ فَكَانَ حُكْمُهُ أَوْسَعَ مِنْ سَائِرِ الْعُقُودِ كَمَا وَسَّعَ فِي جَوَازِهِ عَقْدُهُ عَلَى الصِّفَاتِ الَّتِي لَا يَجُوزُ مِثْلُهَا فِي عُقُودِ الْبِيَاعَاتِ.
(فَصْلٌ:)
فَإِذَا ثَبَتَ جَوَازُ الْخُلْعِ عَلَى مَا وَصَفْنَا أَخَذَتِ الزَّوْجَةُ بِرَضَاعِهِ وَبِنَفَقَتِهِ، وَكَانَ الزَّوْجُ فِي النَّفَقَةِ بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يستنبيها فِيهَا لِتَتَوَلَّى النَّفَقَةَ عَلَيْهِ بِنَفْسِهَا، وَبَيْنَ أَنْ يَسْتَوْفِيَ ذَلِكَ مِنْهَا بِنَفْسِهِ أَوْ بِوَكِيلِهِ، لِيَكُونَ هُوَ الْمُتَوَلِّيَ لِلنَّفَقَةِ عَلَيْهَا، وَالزَّوْجُ أَيْضًا بِالْخِيَارِ بَيْنَ أَنْ يُنْفِقَ عَلَيْهِ تِلْكَ النَّفَقَةَ وَيُطْعِمَهُ ذَلِكَ الطَّعَامَ وَبَيْنَ أَنْ يَتَمَلَّكَهُ وَيُطْعِمَهُ مِنْ غَيْرِهِ، وَلَا يَخْلُو الْمُقَدَّرُ عَلَيْهَا مِنَ النَّفَقَةِ مِنْ أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَكُونَ بِقَدْرِ كِفَايَتِهِ لَا يَزِيدُ عَلَيْهَا وَلَا يَنْقُصُ مِنْهَا، فَلَيْسَ عَلَيْهِ لِوَلَدِهِ أَكْثَرُ مِنْهَا.
وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ أَكْثَرَ مِنْ كِفَايَتِهِ فَلَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْفَاضِلَ، لِأَنَّ نَفَقَةَ الْوَلَدِ مُقَدَّرَةٌ بِالْكِفَايَةِ. وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ تَكُونَ أَقَلَّ مِنْ كِفَايَتِهِ فَعَلَيْهِ أَنْ يُتِمَّ لَهُ مِنْ مَالِهِ قَدْرَ كفايته.