للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ مَالِكٌ: وَأَقَلُّ مَا يَدْفَعُهُ إِلَيْهَا لِيَسْتَبِيحَ بِهِ إِصَابَتَهَا أَقَلُّ مَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ صَدَاقًا وَهُوَ رُبُعُ دِينَارٍ.

وَهَذَا فَاسِدٌ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: " اتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ، وَكَمَا لَوْ كَانَ صَدَاقًا مُؤَجَّلًا ".

وَالْحَالُ الثَّانِيَةُ: أَنْ يَبْدَأَ الزَّوْجُ بِتَسْلِيمِ الصَّدَاقِ إِلَيْهَا فَعَلَيْهَا تَسْلِيمُ نَفْسِهَا إِلَيْهِ، فَإِنِ امْتَنَعَتْ صَارَتْ نَاشِزًا وَلَا نَفَقَةَ لَهَا.

وَالْحَالُ الثَّالِثَةُ: أَنْ يَتَمَانَعَا فَتَقُولُ الزَّوْجَةُ: لَا أُسَلِّمُ نَفْسِي حَتَّى أَقْبِضَ صَدَاقِي، وَيَقُولُ الزَّوْجُ: لَا أَدْفَعُ الصَّدَاقَ حَتَّى تُسَلِّمِي نَفْسَكِ فَفِيهِ قَوْلَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ لَا يُجْبَرُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا عَلَى التَّسْلِيمِ، بَلْ تُقْطَعُ الْخُصُومَةُ بَيْنَهُمَا وَيُتْرَكَانِ، فَأَيُّهُمَا تَطَوَّعَ بِتَسْلِيمِ مَا عَلَيْهِ أُجْبِرَ الْآخَرُ عَلَى تَسْلِيمِ مَا فِي مُقَابَلَتِهِ، وَإِنَّمَا لَمْ يَبْدَأْ بِإِجْبَارِ وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَقًّا وَعَلَيْهِ حَقٌّ، فَلَمْ يَكُنِ الْحَقُّ الَّذِي عَلَيْهِ فِي الْبِدَايَةِ بِاسْتِيفَائِهِ مِنْهُ بِأَوْلَى مِنَ الْحَقِّ الَّذِي لَهُ فِي الْبِدَايَةِ بِاسْتِيفَائِهِ لَهُ فَتَسَاوَى الْأَمْرَانِ، فَوَجَبَ تَرْكُهُمَا وَقَطْعُ التَّخَاصُمِ بَيْنَهُمَا.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: أَنَّ الْحَاكِمَ يُنَصِّبُ لَهُمَا أَمِينًا، وَيَأْمُرُ الزَّوْجَ بِتَسْلِيمِ الصَّدَاقِ إِلَيْهِ، فَإِذَا تَسَلَّمَهُ أَمَرَ الزَّوْجَةَ بِتَسْلِيمِ نَفْسِهَا إِلَى الزَّوْجِ، فَإِذَا سَلَّمَتْ نَفْسَهَا سَلَّمَ الْأَمِينُ الصَّدَاقَ إِلَيْهَا، لِأَنَّ الْحَاكِمَ مَوْضُوعٌ لِقَطْعِ التَّنَازُعِ وَفِعْلِ الْأَحْوَطِ فِي اسْتِيفَاءِ الْحُقُوقِ، وَهَذَا أَحْوَطُ الْأُمُورِ فِيهَا وَأَقْطَعُ لِلتَّنَازُعِ بَيْنَهُمَا.

وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ فِي تَنَازُعِ الْمُتَبَايِعَيْنِ فِي التَّسْلِيمِ، وَفِي الْبَيْعِ قَوْلٌ ثَالِثٌ: أَنَّهُ يُجْبَرُ الْبَائِعُ عَلَى تَسْلِيمِ السِّلْعَةِ، وَيُجْبَرُ الْمُشْتَرِي عَلَى تَسْلِيمِ الثَّمَنِ.

وَلَا يَجِيءُ تَخْرِيجُ هَذَا الْقَوْلِ الثَّالِثِ فِي تَنَازُعِ الزَّوْجَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِي يُمْكِنُ أَنْ يُحْجَرَ عَلَيْهِ فِي السِّلْعَةِ حَتَّى يُسْتَرْجَعَ مِنْهُ إِنَّ امْتَنَعَ مِنْ تَسْلِيمِ الثَّمَنِ، وَلَا يُمْكِنُ إِذَا سَلَّمَتِ الزَّوْجَةُ نَفْسَهَا أَنْ يُمْنَعَ مِنْهَا، وَرُبَّمَا اسْتَهْلَكَ بُضْعَهَا بِالدُّخُولِ قَبْلَ تَسْلِيمِ صَدَاقِهَا.

فَصْلٌ

فَإِذَا تَقَرَّرَ الْقَوْلَانِ فِي تَنَازُعِ الزَّوْجَيْنِ، فَإِذَا قِيلَ بِالْقَوْلِ الْأَوَّلِ إِنَّهُ لَا يُجْبَرُ وَاحِدٌ مِنْهُمَا فَلَا نَفَقَةَ لِلزَّوْجَةِ فِي مُدَّةِ امْتِنَاعِهَا مِنْ تَمْكِينِ الزَّوْجِ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ لَا يَلْزَمُهُ تَعْجِيلُ الصَّدَاقِ، فَصَارَتْ مُمْتَنِعَةً بِمَا لَا يَسْتَحِقُّ تَعْجِيلَهُ فَجَرَى عَلَيْهَا حُكْمُ النُّشُوزِ فِي سُقُوطِ النَّفَقَةِ.

وَإِذَا قِيلَ بِالْقَوْلِ الثَّانِي: إِنَّ الْحَاكِمَ يُجْبِرُ الزَّوْجَ عَلَى تَسْلِيمِ الصَّدَاقِ إِلَى أَمِينٍ يُنَصِّبُهُ لَهُمَا فَلَهَا النَّفَقَةُ فِي مُدَّةِ امْتِنَاعِهَا مِنْ تَمْكِينِهِ إِلَى أَنْ يَدْفَعَ الصَّدَاقَ إِلَى الْأَمِينِ؛ لِأَنَّهَا مُمْتَنِعَةٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>