وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: وَهُوَ أَحْوَطُ أَنَّهَا تَعْتَدُّ بِثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ؛ لِأَنَّهُ أَقَلُّ الزَّمَانِ الَّذِي يُطَهِّرُ فِيهِ اسْتِبْرَاءُ الرَّحِمِ.
وَرُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أَنَّهُ قَالَ: " يَكُونُ خَلْقُ أَحَدِكُمْ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا نُطْفَةً، ثُمَّ أَرْبَعِينَ يَوْمًا عَلَقَةً، ثُمَّ أَرْبَعِينَ يَوْمًا مُضْغَةً " وَهُوَ فِي حَالِ الْمُضْغَةِ يَتَخَلَّقُ وَيَتَصَوَّرُ وَتَظْهَرُ أَمَارَاتُهُ مِنَ الْحَرَكَةِ وَمِنْ غِلَطِ الْجَوْفِ، وَذَلِكَ عِنْدَ انْقِضَاءِ الشهر الثالث.
[(مسألة)]
قال الشافعي: " وَلَوْ أُعْتِقَتِ الْأَمَةُ قَبْلَ مُضِيِّ الْعِدَّةِ أَكْمَلَتْ عِدَّةَ حُرَّةٍ لِأَنَّ الْعِتْقَ وَقَعَ وَهِيَ فِي مَعَانِي الْأَزْوَاجِ فِي عَامَّةِ أَمْرِهَا وَيَتَوَارَثَانِ فِي عِدَّتِهَا بِالْحَرِيَّةِ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَصُورَتُهَا فِي أَمَةٍ طَلَّقَهَا زَوْجُهَا، وَأَعْتَقَهَا سَيِّدُهَا فَعَلَيْهَا الْعِدَّةُ مِنْ طَلَاقِ الزَّوْجِ وَلَا اسْتِبْرَاءَ عَلَيْهَا مِنْ عِتْقِ السَّيِّدِ، وَلَا يَخْلُو حَالُ الْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ مِنْ ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ:
أَحَدُهَا: أَنْ يَتَقَدَّمَ الْعِتْقُ عَلَى الطَّلَاقِ فَعَلَيْهَا عِدَّةُ حُرَّةٍ لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ عَلَيْهَا، وَهِيَ حُرَّةٌ.
وَالْقِسْمُ الثَّانِي: أَنْ يَقَعَ الطَّلَاقُ وَالْعِتْقُ مَعًا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ لَا يَتَقَدَّمُ أَحَدُهُمَا عَلَى الْآخَرِ وَذَلِكَ مِنْ أَحَدِ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ.
إِمَّا بِأَنْ يَقُولَ الزَّوْجُ لَهَا: إِذَا أُعْتِقْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ.
وَإِمَّا بِأَنْ يَقُولَ السَّيِّدُ لَهَا: إِذَا طُلِّقْتِ فَأَنْتِ حُرَّةٌ فَيَلْزَمُهَا فِي اجْتِمَاعِ الْعِتْقِ وَالطَّلَاقِ أَحَدُ هَذِهِ الْوُجُوهِ أَنْ تَعْتَدَّ عِدَّةَ حُرَّةٍ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَعْتَدَّ بِالْعِدَّةِ إِلَّا وَهِيَ حُرَّةٌ.
وَالْقِسْمُ الثَّالِثُ: أَنْ يَتَقَدَّمَ الطَّلَاقُ عَلَى الْعِتْقِ، فَهَذَا عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَقَعَ الْعِتْقُ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ عَلَى حُكْمِ الرِّقِّ فَلَا يُؤَثِّرُ فِيهَا مَا حَدَثَ مِنَ الْعِتْقِ؛ لِأَنَّ مَا يَقْتَضِي زَمَانَهُ يَقْتَضِي حُكْمَهُ كَمَا لَوْ حَاضَتِ الصَّغِيرَةُ بَعْدَ شُهُورِهَا وَأَيِسَتِ الْكَبِيرَةُ بَعْدَ أَقْرَائِهَا.
وَالضَّرْبُ الثَّانِي: أَنْ تُعْتَقَ فِي تَضَاعِيفِ عِدَّتِهَا وَقَبْلَ انْقِضَائِهَا فَتَبْنِي عِدَّتَهَا بَعْدَ الْعِتْقِ عَلَى مَا مَضَى مِنْهَا قَبْلَ الْعِتْقِ، وَاخْتَلَفَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ هَلْ تَقْضِي عِدَّةَ أَمَةٍ اعْتِبَارًا بِالِابْتِدَاءِ أَوْ عِدَّةَ حُرَّةٍ اعْتِبَارًا بِالِانْتِهَاءِ، فَإِنْ كَانَ الطَّلَاقُ رَجْعِيًّا فَمَذْهَبُهُ في الجديد كله، وأحد قوليه في القديم أَنَّهَا تَعْتَدُّ عِدَّةَ حُرَّةٍ، وَلَهُ فِي الْجَدِيدِ قَوْلٌ ثَانٍ: أَنَّهَا تَعْتَدُّ عِدَّةَ حُرَّةٍ فَتَرَتَّبَ له في اعتدادها من الطلاقين ثلاث أَقَاوِيلَ:
أَحَدُهَا: أَنَّهَا تَعْتَدُّ فِيهَا عِدَّةَ أَمَةٍ اعْتِبَارًا بِالِابْتِدَاءِ لِأَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ الِاسْتِبْرَاءَ فِي الرِّقِّ لَا يُعْتَبَرُ بِحُدُوثِ الْعِتْقِ كَأُمِّ الْوَلَدِ.