للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صَاحِبِهِ، فَإِذَا عَبَّرَ عَنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِلَفْظِ صَاحِبِهِ لَمْ يَسْلُبْهُ حُكْمَ فِعْلِهِ وَإِنْ سلبه صفة لفظه.

[(مسألة)]

قال الشافعي: " وقائل هذا القول لو قال رجل زنات في الجبل حد له وإن كان معروفاً عند العرب أنه صعدت في الجبل (قال الشافعي) رحمه الله تعالى يحلف ما أراد إلا الرقي فِي الْجَبَلِ وَلَا حَدَّ فَإِنْ لَمْ يَحْلِفْ حُدَّ إِذَا حَلَفَ الْمَقْذُوفُ لَقَدْ أَرَادَ الْقَذْفَ ".

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا مِمَّا خَالَفَ فِيهِ أَبُو حَنِيفَةَ فَقَالَ: إِذَا قَالَ لَهَا زَنَأْتِ فِي الجبل كان قذفاً صريحاً يوجب حد.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: زَنَأْتِ فِي الْجَبَلِ هُوَ التَّرَقِّي فِيهِ فَلَا يَكُونُ قَذْفًا إِنْ لَمْ يُرِدْهُ.

وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ.

وَقَالَ أَبُو الطَّيِّبِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ: إِنْ كَانَ قَائِلُ ذَلِكَ مِنْ أَهْلِ الْعَرَبِيَّةِ لَمْ يَكُنْ قَذْفًا وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يَعْرِفْهَا كَانَ قَذْفًا، فَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ فَاسْتَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ قَذْفٌ: بِأَنَّ لَفْظَ الزِّنَا يَقْصُرُ تَارَةً وَيُمَدُّ أُخْرَى، فَيُقَالُ: زَنَأْتِ. وَزَنَيْتِ، قَالَ الشَّاعِرُ.

(كَانَتْ فَرِيضَةً مَا تَقُولُ كَمَا ... كَانَ الزِّنَا فَرِيضَةَ الرَّجْمِ)

وَإِذَا اسْتَوَى فِي الْقَذْفِ زَنَأْتِ وَزَنَيْتِ لَمْ تَكُنْ إِضَافَتُهُ إِلَى الْجَبَلِ مُخْرِجًا لَهُ مِنَ الْقَذْفِ، كَمَا لَوْ قَالَ لَهُ: زَنَيْتَ فِي الْجَبَلِ، كَانَ قَذْفًا فَلَمْ تُخْرِجْهُ الْإِضَافَةُ إِلَى الْجَبَلِ مِنْ أَنْ يَكُونَ قَذْفًا، أَمَّا أَبُو الطَّيِّبِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ فَإِنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ النَّحْوِيِّ وَالْعَامِّيِّ، فَإِنَّ النَّحْوِيَّ لِوُقُوفِهِ عَلَى مَعَانِي الْأَلْفَاظِ يُفَرِّقُ بَيْنَ قَوْلِهِ: زَنَأْتِ فِي الْجَبَلِ فَيَعْلَمُ أَنَّهُ التَّرَقِّي فِيهِ، وَبَيْنَ قَوْلِهِ: زَنَيْتِ فِي الْجَبَلِ فَيَعْلَمُ أَنَّهُ إِتْيَانُ الْفَاحِشَةِ فِيهِ، وَالْعَامِّيُّ لَا يُفَرِّقُ بَيْنَهُمَا، فَكَانَ مِنَ الْعَامِّيِّ قَذْفًا لِجَهْلِهِ بِالْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَلَمْ يَكُنْ مِنَ النَّحْوِيِّ قَذْفًا لِعِلْمِهِ بِالْفَرْقِ بَيْنَهُمَا.

كَمَا إِذَا قَالَ لِزَوْجَتِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ دَخَلْتِ الدَّارَ، يُفَرَّقُ فِي حَقِّ النَّحْوِيِّ بَيْنَ كَسْرٍ إِن وَفَتْحِهَا، فَإِنْ فَتَحَهَا فَقَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ أَنْ دَخَلْتِ الدَّارَ كَانَ خَبَرًا، وَالطَّلَاقُ وَاقِعٌ؛ لِأَنَّ تَقْدِيرَهُ: أَنْتِ طَالِقٌ لِأَنَّكِ دَخَلْتِ الدَّارَ، وَإِنْ كَسَرَهَا فَقَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ إِنْ دَخَلَتِ الدَّارَ، كَانَتْ شَرْطًا، لَا تُطَلَّقُ حَتَّى تَدْخُلَ الدَّارَ؛ لِأَنَّ تَقْدِيرَهُ: أَنْتِ طَالِقٌ إِذَا دَخَلْتِ الدَّارَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>