للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ نَدَمِهِ فَإِنْ طَلَّقَهَا ثَلَاثًا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ وَقَعَتِ الثَّلَاثُ وَلَمْ تَكُنْ مُحَرَّمَةً وَلَا بِدْعَةً وَالسُّنَّةُ وَالْبِدْعَةُ فِي زَمَانِ الطَّلَاقِ لَا فِي عَدَدِهِ.

وَبِهِ قَالَ مِنَ الصَّحَابَةِ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ.

وَمِنَ التَّابِعِينَ ابْنُ سِيرِينَ وَمِنَ الْفُقَهَاءِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ.

وَحُكِيَ عَنِ السَّبْعَةِ وَعَنْ دَاوُدَ بْنِ عَلِيٍّ وَطَائِفَةٍ مِنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ أَنَّ طَلَاقَ الثلث لَا يَقَعُ. فَاخْتَلَفَ الْقَائِلُونَ بِهَذَا هَلْ يَكُونُ وَاحِدَةً أَمْ لَا؟ فَقَالَ الْمَغْرِبِيُّ: تَكُونُ وَاحِدَةً، وَقَالَ آخَرُونَ: لَا يَقَعُ مِنْهُنَّ شَيْءٌ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: طَلَاقُ الثَّلَاثِ وَاقِعٌ لَكِنَّهُ حَرَامٌ مُبْتَدَعٌ.

وَبِهِ قَالَ مِنَ الصَّحَابَةِ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، وَمِنَ الْفُقَهَاءِ مَالِكٌ وَالْعِرَاقِيُّونَ.

وَاسْتَدَلَّ مَنْ مَنَعَ مِنْ وُقُوعِ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَرَّقَ طَلَاقَ الثَّلَاثِ بِقَوْلِهِ: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بإحسان} فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَجْمَعَ مَا أُمِرَ بِتَفْرِيقِهِ؛ لِأَنَّهُ ارْتِكَابُ مَا نُهِيَ عَنْهُ. وَمَا حَرُمَ مِنَ الطَّلَاقِ لَا يَقَعُ كَالْمُرَاجَعَةِ.

وَبِمَا رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ الطَّلَاقُ الثَّلَاثُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَأَيَّامِ أَبِي بَكْرٍ. وَصَدْرٍ مِنْ أَيَّامِ عُمَرَ وَاحِدَةً. فَقَالَ عُمَرُ: قَدِ اسْتَعْجَلْتُمْ فِي أَمْرٍ كَانَ لَكُمْ فِيهِ أَنَاةٌ. وَجَعَلَهُ ثَلَاثًا.

فَلَا يَجُوزُ لِعُمَرَ أَنْ يُخَالِفَ شَرْعًا ثَبَتَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -. وَقَدِ ارْتَفَعَ النَّسْخُ بِمَوْتِهِ.

وَبِمَا رَوَوْهُ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ عَمَّارٍ عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا فِي الْحَيْضِ فَاسْتَفْتَى رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَأَمَرَهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا. فَإِذَا طَهُرَتْ فَلْيَسْتَقْبِلْ بِهَا الْعِدَّةَ إِنْ شَاءَ طَلَّقَ وَإِنْ شَاءَ أَمْسَكَ. وَهَذَا نَصٌّ.

(فَصْلٌ:)

وَاسْتَدَلَّ أَبُو حَنِيفَةَ عَلَى أَنَّ طَلَاقَ الثَّلَاثِ مُحَرَّمٌ وَإِنْ كَانَ وَاقِعًا بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: {إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ} [الطلاق: ١] .

فَتَضَمَّنَتْ هَذِهِ الْآيَةُ تَفْرِيقَ الطَّلَاقِ فِي الْأَطْهَارِ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: قوله تعالى: {وأحصوا العدة} وَإِحْصَاؤُهَا إِنَّمَا يَكُونُ انْتِظَارًا لِوُقُوعِ الطَّلَاقِ فِيهَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>