وَالثَّانِي: قَوْله تَعَالَى فِيهَا {لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بعد ذلك أمراً} يُرِيدُ بِهِ الرَّجْعَةَ وَالرَّجْعَةُ لَا تَكُونُ فِي الثَّلَاثِ. وَإِنَّمَا تَكُونُ فِيمَا دُونَ الثَّلَاثِ.
وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {الطَّلاقُ مَرَّتَانِ} [البقرة: ٢٢٩] . فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ مَرَّةً.
وَبِمَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: طَلَّقْتُ امْرَأَتِي وَهِيَ حَائِضٌ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - هَكَذَا أَمَرَكَ رَبُّكَ إِنَّمَا السُّنَّةُ أَنْ تَسْتَقْبِلَ بِهَا الطُّهْرَ ثُمَّ تُطَلِّقَهَا فِي كُلِّ قُرْءٍ طَلْقَةً.
وَبِمَا رَوَاهُ الْحَسَنُ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: طَلَّقْتُ امْرَأَتِي وَهِيَ حَائِضٌ طَلْقَةً وَأَرَدْتُ أَنْ أُتْبِعَهَا طَلْقَتَيْنِ فَسَأَلْتُ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: رَاجِعْهَا فَقُلْتُ أَرَأَيْتَ لَوْ طَلَّقْتُهَا ثَلَاثًا فَقَالَ: كُنْتَ قَدْ أَبَنْتَ زَوْجَتَكَ وَعَصَيْتَ رَبَّكَ. فَلَوْلَا أَنَّ جَمْعَ الثَّلَاثِ مُحَرَّمٌ مَا كَانَ بِهِ عَاصِيًا.
وَبِمَا رَوَاهُ إِبْرَاهِيمُ عَنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّهُ قَالَ طَلَّقَ بَعْضُ آبَائِي امْرَأَتَهُ أَلْفًا. فَانْطَلَقَ بَنُوهُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فَقَالُوا إِنَّ أَبَانَا طَلَّقَ أُمَّنَا أَلْفًا فَهَلْ لَهُ مِنْ مَخْرَجٍ؟ فَقَالَ: إِنَّ أَبَاكُمْ لَمْ يتق الله فيما فَعَلَ؛ فَيَجْعَلَ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ مَخْرَجًا بَانَتْ مِنْهُ بِثَلَاثٍ عَلَى غَيْرِ السُّنَّةِ وَتِسْعُمِائَةٍ وَسَبْعَةٌ وَتِسْعُونَ إِثْمٌ فِي عُنُقِهِ.
قَالَ: وَلِأَنَّهُ إِجْمَاعُ الصَّحَابَةِ. رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابَ كَانَ إِذَا أُتِيَ بِرَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا أَوْجَعَ ظَهْرَهُ.
وَإِنَّ رَجُلًا أَتَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ فَقَالَ: إِنَّ عَمِّي طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ إِنَّ عَمَّكَ عَصَى اللَّهَ فَأَنْدَمَهُ. وَأَطَاعَ الشَّيْطَانَ فَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَإِنَّ عَلِيًّا وَابْنَ عَبَّاسٍ أَنْكَرَاهُ فَكَانَ إِجْمَاعًا، لِعَدَمِ الْمُخَالِفِ فِيهِ.
وَلِأَنَّهُ عَدَدٌ يَتَعَلَّقُ بِهِ الْبَيْنُونَةُ فَوَجَبَ أَنْ يَتَكَرَّرَ كَاللِّعَانِ.
وَدَلِيلُنَا عَلَى الْفَرِيقَيْنِ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تفرضوا لهن فريضة} [٢٣٦] .
فَكَانَ رَفْعُ الْجُنَاحِ عَنْهُ مِنْ غَيْرِ تَمْيِيزٍ لِعَدَدٍ يُوجِبُ التَّسْوِيَةَ بَيْنَ الْأَعْدَادِ.