أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ: إِنَّهَا باطلة لترددها بين جائز وغير جائر.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ الْمُسَاقَاةَ جَائِزَةٌ، كَمَا أَنَّ رِبْحَ الْمُضَارَبَةِ مَجُوزٌ، وَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ مِنْ صِحَّةِ الْعَقْدِ، وَكَمَا لَوْ أُذِنَ لَهُ بِالْمَضَارَبَةِ فِي سَفَرٍ مَخُوفٍ صَحَّ الْعَقْدُ، وَإِنْ جَازَ تَلَفُ الْمَالِ كَجَوَازِ سَلَامَتِهِ.
فَعَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ: لَهُ أُجْرَةُ مِثْلِهِ إِنْ عَمِلَ أَثْمَرَتِ النَّخْلُ أَوْ لَمْ تُثْمِرْ؛ لِأَنَّ حُدُوثَ الثَّمَرَةِ مَجُوزٌ، فَلَمْ يُفَوِّتْ عَمَلَهُ بِغَيْرِ بَدَلٍ.
وَعَلَى الْوَجْهِ الثَّانِي: إِنْ أَثْمَرَتْ كَانَ لَهُ حَقُّهُ مِنَ الثَّمَرَةِ، وَإِنْ لَمْ تُثْمِرْ فَلَا شَيْءَ لَهُ.
فَصْلٌ
: فَلَوْ دَفَعَ إِلَيْهِ أَرْضًا وَسَقَاهُ عَلَى أَنْ يَغْرِسَ فِيهَا فَسَيْلًا لِيَكُونَ ثَمَرُ الْفَسِيلِ إِذَا أَثْمَرَ بَيْنَهُمَا لَمْ يَجُزْ، وَكَانَ الْعَقْدُ فَاسِدًا، لِأَنَّ عَقْدَ الْمُسَاقَاةِ لَمْ يَصِحَّ لِأَنَّهُ لَمْ يَقَعْ عَلَى عَيْنٍ قَائِمَةٍ.
مَسْأَلَةٌ
قَالَ المزني رحمه الله تعالى: " لَوِ اخْتَلَفَا بَعْدَ أَنْ أَثْمَرَتِ النَّخْلُ عَلَى مساقاةٍ صحيحةٍ فَقَالَ رَبُّ النَّخْلِ عَلَيَّ الثُّلُثِ وَقَالَ الْعَامِلُ بَلْ عَلَيَّ النِّصْفِ تَحَالَفَا وَكَانَ لَهُ أَجْرُ مِثْلِهِ فِي قِيَاسِ قَوْلِهِ كَانَ أَكْثَرَ مِمَّا أَقَرَّ لَهُ بِهِ رَبُّ النَّخْلِ أَوْ أَقَلَّ وَإِنْ أَقَامَ كُلُّ واحدٍ مِنْهُمَا الْبَيِّنَةَ عَلَى مَا ادَّعَى سَقَطَتَا وَتَحَالَفَا كَذَلِكَ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كَمَا قَالَ، إِذَا اخْتَلَفَ رَبُّ النَّخْلِ وَالْعَامِلُ بَعْدَ اتِّفَاقِهِمَا عَلَى أَصْلِ الْعَقْدِ فِي صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ، كَالْعَرْضِ، فَيَقُولُ رَبُّ النَّخْلِ سَاقَيْتُكَ عَلَى الثُّلُثِ وَيَقُولُ الْعَامِلُ عَلَى النِّصْفِ وَاخْتَلَفَا فِي الْمُدَّةِ أَوْ فِي النَّخْلِ، فَإِنَّهُمَا يَتَحَالَفَانِ كَمَا يَتَحَالَفُ الْمُتَبَايِعَانِ بِكَوْنِهِمَا مُخْتَلِفَيْنِ فِي عَقْدِ مُعَاوَضَةٍ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي صِفَتِهِ، مَا لَمْ تَقُمْ بَيِّنَةٌ بِمَا اخْتَلَفَا فِيهِ، فَإِذَا تَحَالَفَا عَلَى مَا مَضَى فِي الْبُيُوعِ فُسِخَتِ الْمُسَاقَاةُ بَيْنَهُمَا.
فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لِلْعَامِلِ عَمَلٌ فَلَا شَيْءَ لَهُ، وَإِنْ كَانَ له عمل، فله أجره مثله سواه كَانَ أَقَلَّ مِمَّا ادَّعَى أَوْ أَكْثَرَ، سَوَاءٌ أَثْمَرَتِ النَّخْلُ أَوْ لَمْ تُثْمِرْ، لِأَنَّ الْعَقْدَ إِذَا ارْتَفَعَ بِالتَّحَالُفِ بَطَلَ الْمُسَمَّى، وَاسْتُحِقَّ قِيمَةَ الْمُتْلَفِ.
فَإِنْ حَلَفَ أَحَدُهُمَا دُونَ الْآخَرِ قُضِيَ لِلْحَالِفِ مِنْهُمَا دُونَ النَّاكِلِ، وَإِنْ كَانَتْ بَيِّنَةٌ عُمِلَ عَلَيْهَا مِنْ غَيْرِ تَحَالُفٍ، وَالْبَيِّنَةُ شَاهِدَانِ أَوْ شَاهِدٌ وَامْرَأَتَانِ، أَوْ شَاهِدٌ وَيَمِينٌ.
فَإِنْ أَقَامَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةً فَقَدْ تَعَارَضَتَا، وفيهما قَوْلَانِ:
أَحَدُهُمَا: تَسْقُطُ الْبَيِّنَتَانِ، وَيَرْجِعَانِ إِلَى التَّحَالُفِ.
وَالثَّانِي: يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا فَأَيُّهُمَا قُرِعَتْ قُرْعَتُهُ حُكِمَ بِهَا، وَهَلْ يَحْلِفُ صَاحِبُهَا مَعَهَا، أَمْ لَا؟ عَلَى قَوْلَيْنِ، فَأَمَّا اسْتِعْمَالُ الْبَيِّنَتَيْنِ أَوْ وُقُوفُهُمَا فَلَا يَجِيءُ فِي هَذَا الْمَوْضُوعِ، أَمَّا اسْتِعْمَالُهَا فَلِأَنَّ قِسْمَةَ الْعَقْدِ لَا تَصِحُّ وَأَمَّا وُقُوفُهُمَا فلأن وُقُوفَ الْعُقَدِ لَا يَجُوزُ.
مَسْأَلَةٌ
قَالَ الْمُزَنِيُّ رحمه الله تعالى: " وَلَوْ دَفَعَا نَخْلًا إِلَى رجلٍ مُسَاقَاةً فَلَمَّا أثمرت