إِحْدَاهُمَا: أَنَّ الْعَامِلَ فِيهَا لَا يَتَمَيَّزُ مِنْ رَبِّ الْمَالِ.
وَالْعِلَّةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّ عَمَلَ أَحَدِهِمَا عَلَى غَيْرِ بَدَلٍ، وَإِذَا بَطَلَتِ الْمُسَاقَاةُ بِذَلِكَ وَجَبَ أَنْ تَكُونَ الثَّمَرَةُ بَيْنَهُمَا نِصْفَيْنِ بِالْمِلْكِ، وَفِي عَمَلِهِمَا وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ هَدْرٌ لَا يُرَاعَى فِيهِ التَّفَاضُلُ، وَلَا يُسْتَحَقُّ فِيهِ أُجْرَةٌ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلْمَالِ، كَالشَّرِيكَيْنِ فِي الْمَالِ يَقْتَسِمَانِ الرِّبْحَ بَيْنَهُمَا بِالسَّوِيَّةِ، اعْتِبَارًا بِالْمَالِ، وَإِنْ تَفَاضَلَا فِي الْعَمَلِ لِأَنَّ عَمَلَهُمَا تَبَعٌ لِلْمَالِ، فَلَمْ يراعى فِيهِ التَّفَاضُلُ وَلَمْ يُضْمَنْ بِالْأُجْرَةِ.
وَهَذَا مُخَرَّجٌ مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ الْعَامِلَ شَرِيكٌ، فَعَلَى هَذَا لَا أُجْرَةَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا عَلَى صَاحِبِهِ، وإن زاد عليه في عمله.
والوجه الثَّانِي: أَنَّ الْعَمَلَ مُعْتَبَرٌ يُرَاعَى فِيهِ التَّفَاضُلُ وَيُسْتَحَقُّ فِيهِ الْأَجْرُ. كَالشَّرِيكَيْنِ بِأَبْدَانِهِمَا، يَقْتَسِمَانِ الْكَسْبَ عَلَى أُجُورِ أَمْثَالِهِمَا، وَبِحَسْبِ تَفَاضُلِهِمَا فِي أَعْمَالِهِمَا، وَهَذَا مُخَرَّجٌ مِنْ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ " إِنَّ الْعَامِلَ أَجِيرٌ " فَعَلَى هَذَا يَرْجِعُ من شرط لنفس ثُلُثَيِ الثَّمَرَةِ عَلَى صَاحِبِهِ بِنِصْفِ أُجْرَةِ مِثْلِهِ لِأَنَّهُ شَرَطَ عَلَى عَمَلِهِ بَدَلًا، وَلَمْ يَبْذُلْهُ تَطَوُّعًا فَاسْتَحَقَّ نِصْفَ الْأُجْرَةِ، وَسَقَطَ نِصْفُهَا، لِأَنَّ نِصْفَ عَمَلِهِ فِي مِلْكِ نَفْسٍ، فَلَمْ يَرْجِعْ بِبَدَلِهِ وَنِصْفِهِ فِي مِلْكِ شَرِيكِهِ فَرَجَعَ بِبَدَلِهِ.
فَأَمَّا الْمُشْتَرِطُ لِنَفْسِهِ ثُلُثَ الثَّمَرَةِ، فَعَلَى مَذْهَبِ الْمُزَنِيِّ لَا يَرْجِعُ بِشَيْءٍ مِنْ أُجْرَتِهِ تَغْلِيبًا لِلشَّرْطِ، وَعَلَى مَذْهَبِ أَبِي الْعَبَّاسِ بْنِ سُرَيْجٍ يَرْجِعُ بِنِصْفِ أُجْرَتِهِ تَغْلِيبًا لِلْعَقْدِ.
مَسْأَلَةٌ
قَالَ المزني رحمه الله تعالى: " وَلَوْ سَاقَى رجلٌ رَجُلًا نَخْلًا مُسَاقَاةً صَحِيحَةً فَأَثْمَرَتْ ثُمَّ هَرَبَ الْعَامِلُ اكْتَرَى عَلَيْهِ الْحَاكِمُ فِي مَالِهِ مَنْ يَقُومُ فِي النَّخْلِ مَقَامَهُ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا صَحِيحٌ إِذَا هَرَبَ الْعَامِلُ فِي الْمُسَاقَاةِ وَقَدْ بَقِيَ مِنْ عَمَلِهِ مَا لَا صَلَاحَ لِلنَّخْلِ وَالثَّمَرَةِ إِلَّا بِهِ، وَجَبَ أَنْ يَلْتَمِسَهُ الْحَاكِمُ عِنْدَ اسْتِعْدَاءِ رَبِّ النَّخْلِ إِلَيْهِ، وَإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ عِنْدَهُ بِالْعَقْدِ لِيَأْخُذَهُ بِالْبَاقِي مِنْ عَمَلِهِ، لِأَنَّ عَقْدَ الْمُسَاقَاةِ لَازِمٌ يُسْتَحَقُّ فِيهِ عَلَى الْعَامِلِ أُجْرَةُ الْعَمَلِ، وَعَلَى رَبِّ النَّخْلِ الثَّمَرُ. فَإِنْ بَعُدَ الْعَامِلُ عَنِ الْحَاكِمِ فَلَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ اسْتَأْجَرَ فِيمَا وَجَدَ مِنْ مَالِهِ أَجِيرًا يَقُومُ مَقَامَهُ فِي الْبَاقِي مِنْ عَمَلِهِ، ثُمَّ قَاسَمَ الْحَاكِمُ رَبَّ النَّخْلِ عَلَى الثَّمَرَةِ فَأَخَذَ مِنْهَا حِصَّةَ الْعَامِلِ لِيَحْفَظَهَا عَلَيْهِ، فإن لم يجد للعامل مالاً يأخذه مِنْهُ أُجْرَةَ الْأَجِيرِ النَّائِبِ عَنْهُ، اسْتَدَانَ عَلَيْهِ قَرْضًا مِنْ رَبِّ النَّخْلِ، أَوْ غَيْرِهِ أَوْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، لِيَقْضِيَ ذَلِكَ عِنْدَ حُصُولِ حِصَّةِ الْعَامِلِ مِنَ الثَّمَرَةِ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ مَنْ يَسْتَدِينُ مِنْهُ قَرْضًا نُظِرَ فِي الثَّمَرَةِ، فَإِنْ كَانَتْ بَادِيَةَ الصَّلَاحِ بِيعَ مِنْ حِصَّةِ الْعَامِلِ فِيهَا بِقَدْرِ أُجُورِ الْأُجَرَاءِ، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ بَادِيَةِ الصَّلَاحِ فَالْمُعَاوَضَةُ عَلَيْهَا مُتَعَذِّرَةٌ لَا سِيَّمَا مَعَ الْإِشَاعَةِ، فَلَيْسَ يُمْكِنُ أَنْ يَسْتَوْفِيَ مِنَ الْعَامِلِ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ مِنَ الْعَمَلِ، وَفِيهِ وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ يُحْكَى عَنْ أَبِي عَلِيِّ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ الْحَاكِمَ يُسَاقِي عليها لأجل
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute