وَالْأُذُنِ الْمُلْصَقَةِ بَعْدَ الْقَطْعِ، فَلَا تُطَلَّقُ بِطَلَاقِهِ. وَكَذَلِكَ الدَّمُ وَالرِّيقُ وَالْعَرَقُ، لِأَنَّ الْبَدَنَ وِعَاؤُهُ وَلَيْسَ بِمُتَّصِلٍ بِهِ، كَمَا يَكُونُ وِعَاءً لِلطَّعَامِ وَالشَّرَابِ، وَلِذَلِكَ يَنفَصْلٌ عَنِ الْبَدَنِ كَانْفِصَالِ الطَّعَامِ والشراب، فذلك لَمْ تُطَلَّقْ بِطَلَاقِهِ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي لَيْلَى: تُطَلَّقُ بِطَلَاقِ ذَلِكَ، لِكَوْنِهِ مِنْ جُمْلَتِهَا وَفِي بَدَنِهَا كَسَائِرِ أَعْضَائِهَا، وَهَذَا خَطَأٌ لِمَا عَلَّلْنَا بِهِ، وَأَنَّهُ يَجْرِي مَجْرَى قَوْلِهِ: ثِيَابُكِ طَالِقٌ، وَهَكَذَا لَوْ أَوْقَعَ الطَّلَاقَ عَلَى أَفْعَالِهَا فَقَالَ: أَكْلُكِ طَالِقٌ، أَوْ شُرْبُكِ طَالِقٌ أَوْ قِيَامُكِ طَالِقٌ أَوْ وقُودُكِ طَالِقٌ، وَهَكَذَا إِذَا أَوْقَعَهُ عَلَى حَوَاسِّهَا فَقَالَ: نَظَرُكِ طَالِقٌ أَوْ سَمْعُكِ طَالِقٌ أَوْ ذَوْقُكِ طَالِقٌ أَوْ لَمْسُكِ طَالِقٌ لَمْ تُطَلَّقْ، لِانْفِصَالِهِ عَنْهَا، إِلَّا أَنْ يُوقِعَهُ عَلَى جَوَارِحِ هَذِهِ الْحَوَاسِّ فَيَقُولَ: عَيْنُكِ طَالِقٌ، وَأُذُنُكِ طَالِقٌ، وَأَنْفُكِ طَالِقٌ وَلِسَانُكِ طَالِقٌ فَتُطَلَّقُ، فَإِنْ قَالَ: عِنْدَكَ طَالِقٌ لَمْ تُطَلَّقْ أَيْضًا، فَأَمَّا إِنْ قَالَ: بَيَاضُكِ طَالِقٌ أَوْ سَوَادُكِ طَالِقٌ، أَوْ لَوْنُكِ طَالِقٌ فَفِي وُقُوعِهِ عَلَيْهَا وَجْهَانِ:
أَحَدُهُمَا: تُطَلَّقُ، لِأَنَّهُ مِنْ ذَاتِهَا الَّتِي لَا تَنْفَصْلٌ عَنْهَا.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهَا لَا تُطَلَّقُ، لِأَنَّ الْأَلْوَانَ أَعْرَاضٌ تَحُلُّ الذَّاتَ وَلَيْسَتْ أَجْسَامًا كَالذَّاتِ.
(فَصْلٌ:)
وَلَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طالق إلا فرجك، وطلقت مع فرجها، لأنها لا تبتعض فِي الطَّلَاقِ وَالِاسْتِثْنَاءُ لَا يَسْرِي، وَالطَّلَاقُ يَسْرِي وَلَوْ قَالَ لَهَا: أَنْتِ طَالِقٌ إِلَّا أَنْتِ، وطلقت وَكَانَ هَذَا الِاسْتِثْنَاءُ لَغْوًا، لِأَنَّهُ رَافِعٌ لِجَمِيعِ الْأَحْكَامِ.
وَلَوْ قَالَ وَلَهُ زَوْجَتَانِ: يَا حَفْصَةُ أَنْتِ طَالِقٌ وَرَأْسُ عَمْرَةَ بِالرَّفْعِ، طُلِّقَتْ حَفْصَةُ وَعَمْرَةُ، لِأَنَّهُ طَلَّقَ جَمِيعَ حَفْصَةَ وَطَلَّقَ رَأْسَ عَمْرَةَ، فَطَلَّقَ جَمِيعُهَا، وَلَوْ قَالَ: يَا حَفْصَةُ: أَنْتِ طَالِقٌ وَرَأْسِ عَمْرَةَ بِالْكَسْرِ لَمْ تُطَلَّقْ عَمْرَةُ، لِأَنَّهُ صَارَ خَارِجًا مَخْرَجَ الْقَسَمِ بِرَأْسِ عَمْرَةَ عَلَى طَلَاقِ حَفْصَةَ.
(مَسْأَلَةٌ:)
قال الشافعي: (وَلَوْ قَالَ أَنْتِ طَالِقٌ بَعْضَ تَطْلِيقَةٍ كَانَتْ تَطْلِيقَةً وَالطَّلَاقُ لَا يَتَبَعَّضُ) .
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا كما قال. إذا بَعْضُ طَلَاقِهَا يَكْمُلُ وَلَمْ يَتَبَعَّضْ، سَوَاءٌ كَانَ الْبَعْضُ مِنْهَا كَقَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ بَعْضَ طَلْقَةٍ، أَوْ كَانَ مِقْدَارًا: أَنْتِ طَالِقٌ نِصْفَ طَلْقَةٍ أَوْ عُشْرَ طَلْقَةٍ، سَوَاءٌ قَلَّ الْبَعْضُ أَوْ كَثُرَ، وَيَكُونُ طَلْقَةً كَامِلَةً وَقَالَ دَاوُدُ: لَا يَقَعُ الطَّلَاقُ عَلَيْهَا إِلَّا بِطَلْقَةٍ كَامِلَةٍ وَإِنْ طَلَّقَهَا بَعْضَ طَلْقَةٍ لَمْ تُطَلَّقْ، لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَتَبَعَّضْ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَلْزَمَ مِنْهُ، مَا لَمْ يَلْزَمْ، وَصَارَ الْبَعْضُ الَّذِي أَوْقَعَهُ لَغْوًا.
وَهَذَا فَاسِدٌ، لِأَنَّ تَكْمِيلَ الطَّلَاقِ مُوجِبٌ لِكَمَالِ التَّحْرِيمِ، وَتَبْعِيضَهُ مقْتَضى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute