للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[(باب قطاع الطريق)]

[(مسألة)]

قال الشافعي: " عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قُطَّاعِ الطَّرِيقِ إِذَا قَتَلُوا وَأَخَذُوا الْمَالَ قُتِّلُوا وَصُلِّبُوا وَإِذَا قَتَلُوا وَلَمْ يَأْخُذُوا الْمَالَ قُتِّلُوا وَلَمْ يُصَلَّبُوا وَإِذَا أَخَذُوا الْمَالَ وَلَمْ يَقْتُلُوا قُطِعَتْ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ وَنَفْيُهُمْ إِذَا هَرَبُوا أَنْ يُطْلَبُوا حَتَّى يُؤْخَذُوا فَيُقَامَ عَلَيْهِمُ الْحَدُّ (قَالَ الشَّافِعِيُّ) فبهذا أقول) .

قال الماوردي: والأصل في الحرابة وقطاع الطرق مُجَاهَرَةً قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [المائدة: ٣٣] .

وَاخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِيمَنْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ وَأُرِيدَ بِهَا عَلَى أربعة أقاويل:

أحدها: نَزَلَتْ فِي قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ كَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيَّنَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - عَهْدٌ فَنَقَضُوهُ وَأَفْسَدُوا فِي الْأَرْضِ، فَحَكَمَ اللَّهُ تَعَالَى بِذَلِكَ فِيهِمْ، فَيَكُونُ حُكْمُهَا مَقْصُورًا عَلَى نَاقِضِي الْعَهْدِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَهَذَا قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ.

وَالْقَوْلُ الثَّانِي: إِنَّهَا نَزَلَتْ فِي الْعُرَنِيِّينَ ارْتَدُّوا عَنِ الْإِسْلَامِ وَقَدْ أَخْرَجَهُمْ رَسُولُ الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - إِلَى لِقَاحٍ لَهُ عِنْدَ اجْتِوَائِهِمُ الْمَدِينَةَ لِيَشْرَبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلْبَانِهَا، فَلَمَّا شَرِبُوا وَصَحُّوا قَتَلُوا رَاعِيَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - وَاسْتَاقُوا إِبِلَهُ، فَحَكَمَ اللَّهُ بِذَلِكَ فِيهِمْ فَيَكُونُ حُكْمُهَا مَقْصُورًا عَلَى الْمُرْتَدِّينَ عَنِ الْإِسْلَامِ إِذَا أَفْسَدُوا، وَهَذَا قَوْلُ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وَقَتَادَةَ.

وَالْقَوْلُ الثَّالِثُ: إِنَّهَا نَزَلَتْ فِي الْمُحَارِبِينَ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ حَكَمَ اللَّهُ فِيهِمْ عِنْدَ الظَّفَرِ بِهِمْ بِمَا ذَكَرَهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مِنْ عُقُوبَتِهِمْ فَيَكُونُ حُكْمُهَا مَقْصُورًا عَلَى أَهْلِ الْحَرْبِ، وهو قَوْلُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَابْنِ عُلَيَّةَ.

وَالْقَوْلُ الرَّابِعُ: إِنَّهَا نَزَلَتْ إِخْبَارًا مِنَ اللَّهِ تعالى بحكم من حارب الله ورسوله وسعى فِي الْأَرْضِ فَسَادًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَغَيْرِهِمْ، وَهَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي عَلَيْهِ الْفُقَهَاءُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ بَيَّنَ حُكْمَ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُرْتَدِّينَ وَأَهْلِ الْحَرْبِ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْآيَةِ فَاقْتَضَى أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْآيَةُ فِي غَيْرِهِمْ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ فِي سِيَاقِ

<<  <  ج: ص:  >  >>