للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيأخذكم عذاب قريب فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ} [هود: ٦٤ - ٦٥] فَكَانَ هَذَا الْإِنْظَارُ فِي الْأَحْكَامِ أَوْلَى مِنْهُ فِي الْعَذَابِ الْمَحْتُومِ، وَهَكَذَا إِذَا اسْتَنْظَرَ الْعِنِّينُ ثَلَاثًا بَعْدَ السَّنَةِ كَانَ عَلَى هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ، وَأَصْلُ الْقَوْلَيْنِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ إِنْظَارُ الْمُرْتَدِّ ثَلَاثًا وَفِيهِ قَوْلَانِ، ثُمَّ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي إِنْظَارِ الزَّوْجِ ثَلَاثًا عَلَى هَذَا الْقَوْلِ، هَلْ هُوَ وَاجِبٌ أَوِ اسْتِحْبَابٌ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ وَاجِبٌ كَإِنْظَارِ الْمُرْتَدِّ بِهَا فَعَلَى هَذَا يُنْظَرُ بِهَا سَوَاءٌ اسْتَنْظَرَهَا أَمْ لَا كَالْمُرْتَدِّ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: وَهُوَ الْأَظْهَرُ وَاخْتَارَهُ الدَّارَكِيُّ أَنَّهَا اسْتِحْبَابٌ يُنْظَرُ بِهَا إِنِ اسْتَنْظَرَهَا وَلَا يُنْظَرُ بِهَا إِنْ لَمْ يَسْتَنْظِرْ وَيُؤْخَذُ بِتَعْجِيلِ الْفَيْئَةِ أَوِ الطَّلَاقِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذَا وَالْمُرْتَدِّ، أَنَّ إِنْظَارَ الْمُرْتَدِّ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى، فَلَمْ يَقِفْ عَلَى اسْتِنْظَارِهِ، وَإِنْظَارَ هَذَا فِي حَقِّهِ، فَوَقَفَ عَلَى اسْتِنْظَارِهِ.

(فَصْلٌ:)

فَأَمَّا الْمُزَنِيُّ فَإِنَّهُ مَنَعَ مِنْ إِنْظَارِ الثَّلَاثِ احْتِجَاجًا بِالْمُرْتَدِّ، وَهَذَا خَطَأٌ لِأَنَّ الْمُرْتَدَّ يُنْظَرُ ثَلَاثًا فِي أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ فَاسْتَوَيَا، بَلِ الْقَوْلَانِ فِي الْمُرْتَدِّ أَظْهَرُ مِنْهُمَا فِي الزَّوْجِ، ثُمَّ احْتَجَّ عَلَى إِبْطَالِ الْإِنْظَارِ بِالثَّلَاثِ بِأَمْرَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: إِنْ قَالَ هُوَ بِالْقِيَاسِ أَوْلَى، وَلَيْسَ هَكَذَا؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ قِيَاسُ الثَّلَاثِ عَلَى مَا زَادَ عَلَيْهَا بِأَوْلَى مِنْ قِيَاسِهَا عَلَى ما نقص عنها.

والثاني: إن قال التأقيت لَا يَجِبُ إِلَّا بِخَبَرٍ لَازِمٍ، وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ عَلَى مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ، لِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ يَرَى هَذَا، وَالشَّافِعِيُّ ثَبَّتَ التَّوْقِيتَ بِالنَّصِّ وَالْمَعْنَى عَلَى أَنَّ فِي الثَّلَاثِ نَصًّا.

[(مسألة:)]

قال الشافعي رضي الله عنه: (وَإِنَّمَا قُلْتُ لِلسُّلْطَانِ أَنْ يُطَلِّقَ عَلَيْهِ وَاحِدَةً لِأَنَّهُ كَانَ عَلَى الْمُولِي أَنْ يَفِيءَ أَوْ يطلق إذا كان لا يقدر على الفيئة إلا به فإذا امتنع قدر على الطلاق عنه ولزمه حكم الطلاق كما يأخذ منه كل شيء وجب عليه إذا امتنع من أن يعطيه (وقال في القديم) فيها قولان أحدهما وهو أحبهما إليه والثاني يضيق عليه بالحبس حتى يفيء أو يطلق لأن الطلاق لا يكون إلا منه (قال المزني) رحمه الله تعالى ليس الثاني بشيء وما علمت أحدا قاله) .

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: قَدْ ذَكَرْنَا أَنَّهُ إِذَا امْتَنَعَ بَعْدَ الْمُدَّةِ مِنَ الْفَيْئَةِ أَوِ الطَّلَاقِ، هَلْ يُطَلَّقُ الْحَاكِمُ عَلَيْهِ أَمْ لَا عَلَى قَوْلَيْنِ أَصَحُّهُمَا تُطَلَّقُ عَلَيْهِ، وَإِذَا كَانَ هَكَذَا: فَإِنْ كَانَ الزَّوْجُ هُوَ الْمُطَلِّقَ كَانَ مُخَيَّرًا فِي عَدَدِ الطَّلَاقِ وَأَقَلُّهُ وَاحِدَةٌ يَمْلِكُ فِيهَا الرَّجْعَةَ فَإِنْ طَلَّقَ اثْنَتَيْنِ فَإِنَّ

<<  <  ج: ص:  >  >>