وَالْوَجْهُ الثَّالِثُ: أَنَّهُ يُحْضِرُهُ عَلَى الْأَحْوَالِ كُلِّهَا، لِاحْتِمَالِ الدَّعْوَى وَحَسْمِ التَّظَلُّمِ وَرَفْعِ الشَّنَاعَةِ.
فَإِذَا حَضَرَ الْأَوَّلُ اسْتَأْنَفَ الْمُتَظَلِّمُ دَعْوَاهُ.
فَإِذَا كَمَّلَهَا سَأَلَهُ الْحَاكِمُ عَنْهَا إِنْ أَوْجَبَتْ غُرْمًا، وَلَمْ يَسْأَلْهُ إِنْ لَمْ تُوجِبْ غُرْمًا.
لِأَنَّ قَوْلَهُ بَعْدَ الْعَزْلِ غَيْرُ مَقْبُولٍ فِي مَاضِي أَحْكَامِهِ.
وَمَقْبُولٌ فِيمَا لَزِمَهُ غُرْمُهُ.
وَعَمَلُ الْحَاكِمِ فِيهِ عَلَى الْبَيِّنَةِ بِمَا تَقُومُ بِهِ.
فَإِنِ اعْتَرَفَ بِمَا يُوجِبُ الْغُرْمَ أَلْزَمَهُ إِيَّاهُ.
وَإِنْ أَنْكَرَهُ فَقَدِ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي وُجُوبِ إِحْلَافِهِ عَلَيْهِ عَلَى وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: وَهُوَ قَوْلُ أَبِي سَعِيدٍ الْإِصْطَخْرِيِّ لَا يُحَلِّفُهُ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ اسْتِهْلَاكُ حُكْمٍ وَلَيْسَ بِاسْتِهْلَاكِ فِعْلٍ وَظَاهِرُ الْأَحْكَامِ نُفُوذُهَا عَلَى الصِّحَّةِ، وَيَجِبُ صِيَانَةُ الْحُكَّامِ فِيهَا عَنِ الْبِذْلَةِ.
وَالْوَجْهُ الثَّانِي: أَنْ يَحْلِفَ عَلَيْهَا، لِأَنَّ حُقُوقَ الْآدَمِيِّينَ تَسْتَوِي فِيهَا الْكَافَّةُ وَلَا تَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِهِمْ وَلَكِنْ لَوِ ادَّعَى الْمُتَظَلِّمُ أَنَّهُ ارْتَشَى مِنْهُ مَالًا عَلَى الْحُكْمِ فَالرِّشْوَةُ ظُلْمٌ كَالْغُصُوبِ فَيَجُوزُ إِحْضَارُ الْأَوَّلِ بِهَذِهِ الدَّعْوَى وَإِحْلَافُهُ عَلَيْهَا إِنْ أنكر.
(اتخاذ المترجم)
:
[(مسألة)]
: قال الشافعي: " وَإِذَا تَحَاكَمَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌ لَا يَعْرِفُ لِسَانَهُ لَمْ تُقْبَلِ التَّرْجَمَةُ عَنْهُ إِلَا بِعَدْلَيْنِ يَعْرِفَانِ لِسَانَهُ ".
قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: أَمَّا إِنْ كَانَ الْحَاكِمُ يَعْرِفُ لِسَانَ الْأَعْجَمِيِّ فَلَيْسَ يَحْتَاجُ إِلَى تَرْجُمَانٍ، وَإِنْ كَانَ لَا يَعْرِفُ لِسَانَ الْأَعْجَمِيِّ احْتَاجَ إِلَى مُتَرْجِمٍ يُتَرْجِمُ لِلْحَاكِمِ مَا قَالَهُ الْأَعْجَمِيُّ.
(حكم الترجمة)
وَاخْتُلِفَ فِي حُكْمِ التَّرْجَمَةِ هَلْ هِيَ شَهَادَةٌ أَوْ خَبَرٌ؟ .
فَمَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ أَنَّهَا شَهَادَةٌ تَفْتَقِرُ إِلَى الْعَدَدِ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: التَّرْجَمَةُ خَبَرٌ لَا يَفْتَقِرُ إِلَى عَدَدٍ، بَلْ تُقْبَلُ فِيهَا تَرْجَمَةُ الْوَاحِدِ إِذَا كَانَ عَدْلًا.
اسْتِدْلَالًا بِأَنَّ شَرَائِعَ الدِّينِ لَمَّا قُبِلَتْ عَنِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - بِخَبَرِ الْوَاحِدِ كَانَتِ التَّرْجَمَةُ