للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فِيهِ، عَتَقَ عَلَيْهِمْ، وَإِنْ لَمْ يَتَصَرَّفُوا، لِأَنَّهُمْ بِالْقُدْرَةِ عَلَيْهِ فِي حُكْمِ الْمُتَصَرِّفِينَ فِيهِ، إِلَّا أَنْ يَحْدُثَ عُذْرٌ يَمْنَعُ مِنَ التَّصَرُّفِ، فَلَا يُعْتَقُ عَلَيْهِمْ إِلَّا بَعْدَ زَوَالِهِ، سَوَاءٌ كَانَ الْعُذْرُ مِنْهُمْ كَالْمَرَضِ، أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ كَالْحَبْسِ فَإِنْ قَدَرَ عَلَى التَّصَرُّفِ فِيهِ بَعْضُهُمْ، وَعَجَزَ عَنْهُ بَعْضُهُمْ، عَتَقَتْ حِصَّةُ الْقَادِرِ، وَوُقِفَتْ حِصَّةُ الْعَاجِزِ. وَهَكَذَا الدَّيْنُ يَكُونُ كَالْمَالِ الْغَائِبِ، لَا يُعْتَقُ فِيهِ إِلَّا بَعْدَ قَبْضِ الْوَرَثَةِ مِثْلَيْ قيمته.

[مسألة]

قال الشافعي رضي الله عنه: (وَلَوْ قَالَ إِنْ شِئْتَ فَأَنْتَ حُرٌّ مَتَى مُتُّ فَشَاءَ فَهُوَ مُدَبَّرٌ) .

قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: وَهَذَا عَقْدُ تَدْبِيرٍ بِصِفَةٍ، وَهِيَ مَشِيئَةُ الْعَبْدِ وَمَشِيئَتُهُ مُعْتَبَرَةٌ عَلَى الْفَوْرِ، دُونَ التَّرَاخِي.

وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا: هَلْ تُعْتَبَرُ فِي فَوْرِهَا مَشِيئَةُ الْقَبُولِ فِي الشِّرَاءِ، أَوْ مَشِيئَةُ الْجَوَازِ فِي التَّخْيِيرِ؟ عَلَى وَجْهَيْنِ:

أَحَدُهُمَا: يُعْتَبَرُ فِيهَا مَشِيئَةُ الْقَبُولِ فِي الشِّرَاءِ، لِأَنَّهُ تَمْلِيكٌ. فَعَلَى هَذَا إِنْ شَاءَ الْعَبْدُ عَقِيبَ قَوْلِ سَيِّدِهِ، انْعَقَدَ تَدْبِيرُهُ، وَإِنْ أَخَّرَهُ عَنْهُ لَمْ يَنْعَقِدْ.

وَالْوَجْهُ الثَّانِي: تُعْتَبَرُ مَشِيئَةُ الْجَوَازِ فِي التَّخْيِيرِ، لِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَى فِكْرٍ، فَعَلَى هَذَا إِنْ شَاءَ الْعَبْدُ فِي الْمَجْلِسِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَشْرَعَ فِي غَيْرِهِ، انْعَقَدَ تَدْبِيرُهُ وَإِنْ شَرَعَ فِي غَيْرِهِ، أَوْ قَامَ عَنْ مَجْلِسِهِ لَمْ يَنْعَقِدْ. فَلَوْ قَالَ الْعَبْدُ فِي الْمَجْلِسِ: قَدْ شِئْتُ ثُمَّ قَالَ: لست أشاء، انعقد تدبيره بالمشيئة الأولة. وَلَمْ يَبْطُلْ بِتَرْكِهِ لَهَا. وَلَوْ قَالَ ابْتِدَاءً: لَسْتُ أَشَاءُ ثُمَّ قَالَ: شِئْتُ بَطَلَ التَّدْبِيرُ وَلَمْ يَثْبُتْ بِالْمَشِيئَةِ الثَّانِيَةِ اعْتِبَارًا بِأَسْبَقِهِمَا مِنْهُ.

فَصْلٌ

وَلَوْ قَالَ لَهُ مَتَى شِئْتَ فَأَنْتَ حُرٌّ، إِذَا مُتُّ أَوْ مَتَى مُتُّ كَانَ مَشِيئَةُ الْعَبْدِ عَلَى التَّرَاخِي فِي حَيَاةِ السَّيِّدِ بِخِلَافِ (إِنْ) و (إِذَا) ، لِأَنَّ (مَتَى) مَوْضُوعَةٌ لِلزَّمَانِ، فَاسْتَوَى فِيهَا جَمِيعُ الْأَزْمَانِ و (إِنْ) و (إِذَا) مَوْضُوعَةٌ لِلْفِعْلِ، فَاعْتُبِرَ فِيهَا زَمَانُ الْفِعْلِ فَإِنْ أَخَّرَ الْعَبْدُ الْمَشِيئَةَ، حَتَّى مَاتَ السَّيِّدُ، ثُمَّ شَاءَ لَمْ يُعْتَقْ. وَإِنْ كَانَتْ مَشِيئَتُهُ عَلَى التَّرَاخِي، لِأَنَّهَا مَشِيئَةٌ فِي عَقْدِ التَّدْبِيرِ وَالتَّدْبِيرُ لَا يَنْعَقِدُ بَعْدَ الْمَوْتِ.

وَلَوْ قَالَ فِي حَيَاةِ السَّيِّدِ: قَدْ شِئْتُ، ثُمَّ قَالَ: لَسْتُ أَشَاءُ ثَبَتَ التَّدْبِيرُ بِالْمَشِيئَةِ وَلَمْ يَبْطُلْ بِالرُّجُوعِ الْمُتَأَخِّرِ، وَلَوْ قَالَ: لَسْتُ أَشَاءُ ثُمَّ قَالَ: شِئْتُ ثَبَتَ التَّدْبِيرُ بِالْمَشِيئَةِ الْمُتَأَخِّرَةِ، وَلَمْ يَبْطُلْ بِتَرْكِهَا الْمُتَقَدِّمِ بِخِلَافِ مَا تَقَدَمَ، لِأَنَّ الْمَشِيئَةَ هَاهُنَا عَلَى التَّرَاخِي. فَرَاعَيْنَا وُجُودَهَا مُتَقَدِّمَةً وَمُتَأَخِّرَةً، وَهُنَاكَ عَلَى الْفَوْرِ فَرَاعَيْنَا مَا تَقَدَّمَ.

فَصْلٌ

وَلَوْ قَالَ السَّيِّدُ: إِنْ شَاءَ زَيْدٌ فَأَنْتَ حُرٌّ إِذَا مُتٌّ، أَوْ مَتَى شَاءَ زَيْدٌ فَأَنْتَ حُرٌّ مَتَى مُتٌّ، فَمَشِيئَةُ زَيْدٍ عَلَى التَّرَاخِي قَبْلَ مَوْتِ السَّيِّدِ، وَيَسْتَوِي فِي مَشِيئَتِهِ حُكْمُ (إِنْ)

<<  <  ج: ص:  >  >>